(إِلًّا) : الإلّ : العهد.
(ذِمَّةً) : الذمة كناية عن الميثاق الذي يجعل الإنسان في رعايته وحفظه ومسئوليته وهو مأخوذ من الذم.
* * *
القرآن يتحدث عن حيثيات البراءة
في هذه الآيات حديث عن الحيثيّات التي تبرّر إلغاء المعاهدة القائمة بين المسلمين والمشركين ، فليس الموقف حالة اعتباطية تنطلق من موقع الشعور بالقوّة المتعاظمة لدى المسلمين في المنطقة ، تماما كما يفعل الفريق الأقوى ضد الفريق الأضعف ، إذا وجد في نفسه القوّة الكافية للسيطرة عليه ، بل الموقف يتمثّل في دراسة السلوك العمليّ لهؤلاء المشركين الذين اتخذوا من المعاهدة غطاء للحقد الكامن في داخل نفوسهم ضد المسلمين ، وللعداوة المتأصلة التي تحاول أن تعبّر عن نفسها بأيّة طريقة ممكنة ، في ما تقوم به من الكيد للإسلام والمسلمين ، مما جعل من مسألة العهد واستمراره مصدر خطر على مسيرة الإسلام. وقد أوحى الله لرسوله أن يواجه الخوف من خيانة القوم ، بما يواجه به حركة الخيانة في صعيد الواقع ، لأنّ ذلك هو السبيل العملي لتوفير الحماية للمسلمين ، فقد جاء في قوله تعالى : (وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ) [الأنفال : ٥٨] ، لأن انتظار الموقف ـ في مثل هذه الأمور ـ حتى يصل إلى مرحلة الخيانة الفعليّة ، يجعل المسلمين يفقدون زمام المبادرة ، لتكون في يد الآخرين الذين يعدّون العدة لأخذ المسلمين على حين غرّة ، بعد إعداد الخطط الكثيرة للانقضاض عليهم. ولهذا كان الموقف ، هو أخذ المبادرة عند ظهور بوادر الخيانة بظهور علاماتها الواضحة ، وهذا هو ما تعالجه هذه الآيات ، بتصوير الحالة الداخليّة