بالواقع الذي كان يعيش فيه المسلمون القوّة بعد فتح مكة ، بينما كان المشركون يعيشون فيه الضعف كل الضعف ، فكيف نفسّر ذلك؟
وقد نجيب على ذلك : أن القضية قد تكون واردة في معرض الإثارة التي تدفعهم إلى لون من ألوان الحماس الإيماني المنطلق من حالة الشعور بالقوّة ، كعنصر من عناصر تثبيت الموقف في نفوسهم. وربما كان هناك نوع من الخوف ، باعتبار أن المسألة في موضوع البراءة بدت لهم حاسمة شاملة لا تقتصر على فريق دون فريق ، بل تشمل المشركين كلهم في موقف مواجهة واسعة ، مما قد يوحي بالقلق لبعض المسلمين الذين يلتفتون إلى سعة التواجد البشري للمشركين في الجزيرة العربية ، الأمر الذي يوحي إليهم بالخطر الكبير.
* * *
قتل المشرك وشفاء صدر المؤمن
(قاتِلُوهُمْ) فذلك هو الأمر الحاسم الذي يلغي وجود الشرك كقوّة في الجزيرة العربية ، ويزيل تأثيره من النفوس ، ويدفع الناس إلى شجاعة الموقف الذي يدعوهم إلى الإيمان ، ولكن يمنعهم من ذلك خوفهم من المشركين ، (يُعَذِّبْهُمُ اللهُ بِأَيْدِيكُمْ) لأنكم تنفّذون إرادة الله في جهادكم وقتالكم لهم ، (وَيُخْزِهِمْ) بهزيمتهم المنكرة المنتظرة أمامكم (وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ) بإيمانكم وثباتكم وجهادكم في سبيل الله (وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ) في ما لاقوه من التعسف والاضطهاد والإذلال والتشريد من جماعة المشركين ، من أجل أن يفتنوهم عن دينهم. وقد ينبغي لنا أن نؤكّد على أن شفاء صدور هؤلاء المؤمنين لا ينطلق من عقدة ذاتية مكبوتة ، لتبتعد المسألة عندهم عن الأجواء الرسالية العامة ، بل ينطلق من حالة إيمانيّة عميقة لأنهم اضطهدوا وشرّدوا