الثاني : أن من الضروري مواصلة الضغط عليهم لإخراجهم من واقعهم المنحرف ، لأن ذلك هو السبيل الواقعي للانضباط في علاقاتهم مع الآخرين. وبذلك كان إعلان الحرب عليهم المتمثل بالأمر بقتالهم ، أسلوب ضغط نفسيّ ، ليدفعهم ذلك إلى التفكير بالنتائج الصعبة التي تنتظرهم من خلال الحرب (لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ) ويتراجعون عن اللعب والكيد والتآمر على الإسلام والمسلمين ، مما يجعل من الموقف حالة وقائيّة رادعة ، في ما تفرضه حسابات الواقع الموضوعيّ في الساحة.
* * *
الحثّ على قتال الناكثين
وهنا يلتفت الخطاب إلى المسلمين في عملية توعية للطبيعة العدوانية المتمثلة في شخصية هؤلاء المشركين من أئمة الكفر ، وذلك بشرح تفصيليّ للواقع الحاضر الذي يعيشونه والتاريخ الماضي الذي عاشوه ، لئلا يشعر المسلمون بعقدة الذنب في إلغاء المعاهدات معهم وإعلان البراءة منهم ، مما قد يتوهمونه نقضا للعهد من جانبهم ، لأنهم قد ينظرون إلى الموضوع من خلال الجانب المباشر الصريح للنقض ، ولا ينظرون إلى الجوانب الخفيّة غير المباشرة منه ، ليصلوا أخيرا إلى النتيجة الواقعية ، وهي أن هؤلاء القوم هم الذين ابتعدوا عن خط العهد ، مما جعل البراءة منهم أمرا طبيعيا تقتضيه طبيعة الساحة ، في ما تفرضه من الحماية للمسيرة الإسلامية.
(أَلا تُقاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ) في ما قاموا به من أعمال وأقوال توحي بذلك (وَهَمُّوا بِإِخْراجِ الرَّسُولِ) عند ما كان في مكة ، فتآمروا فيما بينهم على إخراجه وقتله ، حتى اضطروه إلى الهجرة (وَهُمْ بَدَؤُكُمْ