الضاغطة التي يضغط بها التشريع الإسلامي على المشركين ، فإننا نحاول أن نثير أمامهم الفكرة التي تقرر أن قضية الحرية في معتقدات الإنسان ، في ما يحتاجه من عناصر الإقناع والاقتناع ، بالكلمة والأسلوب والجوّ الذي يهيئ للحوار الإيجابي المنفتح ، هي قضية مكفولة في الإسلام بشكل حاسم ، فللإنسان الحرية في مواجهة كل علامات الاستفهام في نفسه ، لتكون له الأجوبة الكافية الشافية من قبل القائمين على شؤون الدعوة والعاملين في مجالاتها الفكرية ، حتى لا يبقى هناك شيء غامض يوحي له بالقلق والحيرة ، لأن الله يريد لعباده ، أن لا تكون لهم الحجة عليه ، في ما يريدون معرفته ، مما يريدهم أن يؤمنوا به.
أمّا الحريّة بالمعنى المطلق ، الذي يريد الإنسان ـ من خلاله ـ أن يثير فكره ، في كل الساحات ، أو أن يستسلم لبعض الحالات المعقّدة ، التي لا تخضع لحالة فكرية ، فإن الإسلام يرى أن مصلحة الإنسان في الحياة تفرض بعض التحفظات والقيود والضغوط التي تساهم في تصحيح المسار من جهة ، وتمنع عملية الإفساد من جهة أخرى. ولكن ذلك لن يكون خاضعا لنزوة شخص معين ، أو لتحكّم سلطة خاصة ، بل هو خاضع للأوضاع التشريعية في الخطوط العامة للإسلام ، وللأوضاع التطبيقية في ما يمارسه القائمون على شؤون المسلمين من أولي الأمر الذين ينطلقون من مواقع الإسلام ، في ثقافة واسعة عميقة ، والتزام عمليّ دقيق ، وفهم واع للواقع ، فإذا أخطئوا ، ردّتهم الأمة إلى مواقع الإسلام بالأساليب الإسلامية الحاسمة.
* * *
سياسة المواجهة مع المشركين
وربما كان لنا أن نستفيد من تشريع المعاهدة بين المشركين والمسلمين