في البداية ثم العمل على إلغائها ، لأسباب محدّدة ، أن قضية الإلغاء ليست حكما في أصل التشريع ، بحيث يقف حاجزا في المستقبل بينهم ضدّ أية علاقة سلميّة على أسس سليمة لا تتنافى مع المصلحة الإسلامية العليا ، بل هو حكم محدّد في نطاق مرحلة معيّنة مع مشركي جزيرة العرب الذين كانت لهم أوضاعهم السلبيّة وتصرفاتهم العدوانية التي تمثل لونا من ألوان خيانة العهد المعقود بينهم وبين المسلمين ، مما يوحي بأن البراءة المعلنة ، هي حكم ولاية رسولية ، لا حكم تشريع ، فقد مارسه النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بصفته حاكما لا بصفته مشرّعا.
وربما استفاد ذلك بعض المفسرين ـ وهو العلامة الطباطبائي في الميزان (١) ـ من نسبة البراءة إلى الرسول ، بالإضافة إلى نسبتها إلى الله ، إذ لو كان الأمر تشريعا كما هو التشريع ، لاقتصر الأمر على النسبة إلى الله ، لأنه هو الذي يملك التشريع وحده ، وليس للرسول إلا صفة التبليغ.
وقد نستطيع مناقشة هذا الاستنتاج بأن ذلك لا يمثل أساسا لهذا الرأي ، لأن من الممكن أن يكون إسناد الأمر إلى الرسول ، بالإضافة إلى الله سبحانه ، منطلقا من أن مثل هذا التشريع ينطلق من معنى يتصل بالله ، من حيث تشريعه له ، ويرتبط بالنبيّ من جهة أخرى باعتبار أنه طرف في إبرام المعاهدة وإلغائها ، مما يجعل من نسبة البراءة إلى الرسول ، كشيء صادر عنه ، من خلال ارتباط طبيعته به ، وفي ما يمثله واقع العلاقة بينه وبين المشركين من ممارسة عملية للتشريع في بدايته ونهايته. وفي ضوء ذلك ، لا نجد التفسير لهذا الاستنتاج صحيحا.
أمّا تفسيرنا له ، فينطلق من دراسة طبيعة الموضوع الذي يتحرك فيه هذا
__________________
(١) الطباطبائي ، محمد حسين ، الميزان في تفسير القرآن ، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات ، بيروت ، ط : ١ ، ١٤١١ ه ـ ١٩٩١ م ، ج : ٩ ، ص : ١٥٠.