الحكم ، وهو موضوع المعاهدة ، فإنه يعتبر من الأعمال الإجرائية المتحركة التي تتعلق بالعلاقات العملية في حركة الحكم الإسلامي ، الخاضعة للمصلحة الإسلامية ، التي تختلف حسب اختلاف ظروف الواقع الذي يعيشه المسلمون في ميزان القوى في الحياة ، مما قد يفرض عليهم نوعا من العلاقات السلميّة مع الآخرين على أساس المرحلة القصيرة أو الطويلة ، وبذلك يكون الرفض التشريعي لذلك بعيدا عن واقعيّة النظرة الإسلامية لمتطلبات الساحة ، لأنها تحتاج إلى الكثير من حرية الحركة لحماية المسيرة الإسلامية.
وقد يكون هذا الاتجاه منسجما مع طبيعة الحرب التي أعلنها الإسلام ضد الشرك في الحياة من حيث الأساس ، لأنّ الحرب ليست دائما بالمواجهة في ساحة القتال ، أو بالمقاطعة في حركة العلاقات ، بل قد تحتاج إلى الأساليب السلميّة التي قد تحقق من النتائج الإيجابية لمصلحة الإسلام ما لا يحققه القتال ، وربما كانت الحرب الفكرية والسياسية أقوى من الحرب بالسلاح ، وربما كانت الحرب مصدر خطر على الإسلام والمسلمين في بعض المراحل ، فكيف يمكن لتشريع شامل لكل الحياة ، أن يعلن الحرب الدائمة على الآخرين من المشركين؟!
إن الإسلام دين دعوة ، ولا بد لذلك من أن ينطلق في أسلوبه ، على مستوى السلم والحرب ، من مصلحة الدعوة في ما تحتاجه من حرية الحركة ، التي تفرض السلم تارة ، والحرب أخرى.
وقد نستطيع استيحاء ذلك من الآيات التالية التي تتحدث عن حيثيات البراءة وإلغاء المعاهدات بالطريقة التي تجعل القرار في مستوى المرحلة والظروف الموضوعية الموجودة آنذاك ، المتمثلة بالقوّة الإسلامية القادرة على ممارسة الضغط على المشركين في دور انحسار قوّتهم ، وبالأوضاع السلبيّة التي كان المشركون يتحركون فيها ضد الإسلام والمسلمين بالتآمر والكيد لهم