ذلك ، لأن بيّناته واضحة ، وحججه ثابتة ، كل ذلك قائم على أساس العقل ، وما تقود إليه الفطرة ، ولكنهم لم يزدادوا إلا طغيانا وتمرّدا وكيدا للإسلام والمسلمين ، لأن الشرك لم ينطلق لديهم من حالة فكرية عقلانية ، يخضعون فيها لشبهة في العقيدة أو مشكلة في الفكر ، بل كان منطلقا من عقدة جهل ، وحالة تخلّف ، ونزعة كبرياء ، توحي لهم بالامتداد في الكفر والغيّ والضلال. وبذلك لم تكن القضية مرتبطة بمسألة الحرية في الإيمان أو الكفر ، بل بالعقدة المرضيّة التي يرفضون من خلالها الحوار والتفكير ، ويمتنعون عن تحريك أدوات المعرفة التي منحهم الله إيّاها ، في طريق الوصول إلى حقيقة المعرفة.
وهكذا أراد الله لهذا الجوّ الهادىء الذي ينعمون به ، ولتلك الحرية التي ينطلقون معها ، ولهذا الاسترخاء الأمني الذي يعيشون فيه ، أن ينتهي بإنهاء العهود التي تحقق لهم ذلك كله ، ليبدأ هناك عهد جديد للإسلام ، الذي انطلقت عقيدته من قاعدة التوحيد ، فلا يبقى معها للشرك موضع في أيّ مكان يتحرك فيه الإسلام ، ولا مجال بعد ذلك إلا له ، وإلّا فالمواجهة الحاسمة في ساحة القتال ، فكانت هذه البراءة ، التي توحي بالانفصال التام ، فلا مجال لأيّ لقاء أو رعاية أو عناية أو عهد ، ولا موقع لأيّة مسالمة ، بل هو البعد الفاصل الذي يطردهم عن ساحة أمن الله ورسوله ، ويدفعهم إلى الوقوف وجها لوجه في ساحة الخطر ، فكما لا مكان للّقاء بين التوحيد كمبدإ والشرك كعقيدة ، لأنهما متضادان يطرد أحدهما الآخر ، فلا مكان للسّلم بين المؤمنين والمشركين ، لأن مواقفهما مختلفة في التوجهات والأهداف.
* * *
براءة من الله ورسوله
(بَراءَةٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ) لأنهما الأساس في التشريع والحكم والولاية ، في