ما يتحرك به الناس ، أو يقفون عنده ، فالله هو الذي يوحي ويشرّع ، والنبيّ هو الذي يخطّط من خلال ذلك سياسته ودعوته وينفذ ، فكان لا بد للمسلمين في براءتهم من المشركين ومن عهودهم ، من أساس ينطلقون منه ، فكانت هذه البراءة الصادرة من الله ورسوله الموجهة إلى المسلمين ، في ما تشتمل عليه من الإنذار الحاسم (إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) بإنهاء العهود المعقودة بينهم وبين المسلمين. ولكن الله أعطاهم مهلة للتفكير في الأمر في ما يريدون أن يختاروه من الإيمان بالإسلام والسير على هداه الذي يكفل لهم الأمن في الدنيا والآخرة ، أو البقاء على الشرك الذي يقودهم إلى الهلاك في الدارين معا ، فلم يأمر بمعاجلتهم بالمواجهة ، بل أبقى لهم الأمن وحريّة الحركة في أيّ مكان يذهبون إليه ، ليعرّفهم بأن ذلك لم ينطلق من عقدة تبحث عن التنفيس ، بل من خطة تتحرك في اتجاه العدل (فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ) وكلمة السياحة تمثل حرّية التحرك في الانطلاق بعيدا عن مواقع الخطر بالسفر إلى بلاد لا سلطة للإسلام فيها ، أو البقاء في أماكنهم ليتدبروا أمرهم في ما يقررونه من قرار ، أو يتخذونه من موقف (وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللهِ) فإن الله لا يعجزه أحد في ملكه ، فلا تفكروا بأن الفرار من مواقع الخطر ، يمكن أن يحقق لكم الأمن من عذاب الله ويبعدكم عن ساحة قدرته ، فإن الله قادر على أن يسلّط عباده المؤمنين عليكم في الدنيا ، وأن يذيقكم عذاب الخزي في الآخرة إذا أصررتم على الشرك (وَأَنَّ اللهَ مُخْزِي الْكافِرِينَ) في الدنيا والآخرة.
وقد اختلفت كلمات المفسرين في هذه الأربعة أشهر من أين تبدأ ، هل هي من يوم الحج الأكبر أو هي من يوم العشرين من ذي القعدة ، أو من أول شوّال ، لأن الآيات نزلت فيها؟ والأقرب إلى جوّ الآية ، هو القول الأوّل ، لأنّ يوم الحج الأكبر هو يوم الإبلاغ والإيذان ، فكان من الأنسب أن تبدأ المهلة منه لتتناسب مع التوسعة وإتمام الحجة ، ومن المعروف أن يوم النحر هو يوم الحج