أغراض السورة
وقد انطلقت هذه السورة لتحدّد للمسلمين المسار العملي الذي يتحركون فيه ، في علاقاتهم مع المشركين وأهل الكتاب ، ولتحسم الوضع كله مع المشركين ، فتلغي معاهداتهم وتمنعهم من الحج ، وتؤكد إنهاء الصلة بينهم وبين المسلمين ، فلا علاقة ولا ولاية ، لأن القضية ليست قضية فكر يواجه فكرا ، فيلتقيان في جانب ، ويفترقان في جانب آخر ، بل هي قضية خرافات وأوهام تحكم المجتمع كله ، لتهدم روحيته وتضيّق أفقه وتبعده عن الأفق المشرق للحياة. ولذلك حاول الإسلام أن يبعد الشرك عن الساحة ، فيخيّر المشركين بين الاستسلام للإسلام وبين الخروج من أرض المسلمين ، وتحت طائلة المسؤولية بإعلان القتال عليهم ، فيما لو خالفوا ذلك. أمّا أهل الكتاب ، فقد نظّمت العلاقة بينهم وبين المسلمين بالطريقة التي تحمي إنسانيتهم وتفتح لهم آفاق الفكر والحوار مع المسلمين ، لتكون العلاقة قائمة على أساس ثابت من العلم والإيمان ، فإذا رفضوا الإسلام ولم يذعنوا له ولم يقتنعوا به ، فإن الإسلام لا يعرض لهم بسوء ، ولكنه يريد لهم أن يعيشوا مع المسلمين ضمن أوضاع محددة يعلنون من خلالها خضوعهم لسلطة الإسلام في أرضه ومجتمعة ، في مقابل أن يحميهم من كل اعتداء عليهم ، وكانت الجزية رمزا لذلك.
ثم أثارت السورة الوضع الداخلي الذي كان يعيشه المسلمون ، فيما كان يواجه البعض منهم دعوة النبي إليهم للخروج معه للحرب في غزوة تبوك ، وكيف كانوا يتساقطون أمام هذه التجربة ، فيترددون أو يرفضون ، ويتثاقلون ، ويتخلفون عن الخروج معه ، تحت تأثير تبريرات لا تثبت أمام النقد ، ولا ترتكز