على أساس ، كما تحدثت عن المنافقين في أساليبهم الملتوية في التخطيط لإرباك المجتمع الإسلامي ، وتعقيد مسيرته ، وتضليل أفراده ، مما كان يريد القرآن أن يثيره أمام المسلمين في تلك المرحلة ، وفي جميع المراحل ، من أجل أن ينتبهوا إلى طبيعة اللعبة الخبيثة التي يلعبها مجتمع النفاق في إبعاد المسلمين عن دينهم الحق ، وتحويلهم إلى فرق متناثرة متناحرة بعيدة عن الله وعن الرسول.
وهكذا انطلقت السورة لتبرز ملامح ذلك الجوّ ، ثم تحرّكت في هذه الزاوية أو تلك ، لتعالج قضية جانبية هنا ، ومفهوما أساسيا هناك ، ولتشير إلى بعض اللمحات الروحية والنفسية ، في محاولة لتجميع العناصر الحيّة لتكامل المجتمع في إيجابياته ، في ما تتحرك به علاقات الناس مع بعضهم البعض في الداخل والخارج ، لتوجيههم إلى ما يقوّى أواصر المودة بينهم ، ولإبعادهم عما يثير الخلاف في داخلهم ، ولمحاولة دفعهم إلى الانطلاق في مراقبة كل عوامل الخوف واليأس والقلق والحيرة ، وفي مواجهة كل التحديات المثيرة للضعف وللذل والهوان ، وفي تحريك الساحة نحو خط الجهاد الذي يمثل القوّة الحقيقية التي تحوّل المسلمين إلى طاقة حيّة متحركة متحدّية ، في وعي كبير للساحة ، وفي ارتباط وثيق بالهدف ، وفي تعميق للفكر السليم وللتجربة الهادفة.
وبهذا كانت هذه السورة ، في مقاصدها وموضوعاتها ولمحاتها وإيحاءاتها ، سورة حركية ، يشعر فيها القارية بالحركة المتنوعة في أكثر من صعيد ، لما تثيره من أفكار ومشاعر ، وما تؤكده أو تدعو إليه من مواقف ، وفي ما تقدمه من نماذج الواقع الذي عاشه مجتمع الرسالة الأوّل ، من أجل أن تواجهه المجتمعات الإسلامية اللاحقة بالدراسة والتأمل ، حتى تتعرف الى سلبياته وإيجابياته ، فتتجنب ما ينبغي تجنّبه منه ، وتأخذ ما ينبغي أخذه.