حروب طويلة بينهم ، على أساس العهد الذي عقدوه مع الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم بأن لا يعرض لهم بسوء ، ولا يعرضوا له وللمسلمين بسوء ، وأن يأخذوا حريتهم في حج بيت الله ، وفي كل المجالات العامّة والخاصّة التي تفرضها طبيعة حياتهم وأوضاعهم ، في ما يتعلق بعبادتهم ومعاملاتهم وارتباطاتهم بالأحلاف والمواثيق مع الآخرين ، تماما ، كما لو لم يكن الشرك مشكلة للفكر وللحياة.
ومرّت الأيّام ، وانطلق الإسلام يفرض نفسه على الجزيرة العربيّة في انطلاقته الروحية والفكرية والعملية ، في دعوته إلى عبادة الله الواحد ، وفي انطلاقته في تنظيم الحياة في قضاياها الكبيرة والصغيرة ، في ما يتصل بالحياة الفرديّة والاجتماعية ، وبدأ الناس يدخلون في دين الله أفواجا ، من خلال الوعي والقناعة والإيمان ، ولم يرتح المشركون لهذا الواقع ، ولكنّهم لم يواجهوه مواجهة مباشرة ، لأنهم لا يملكون القدرة على ذلك ، فكانت الدسائس التي تكيد للإسلام والمسلمين ، من خلال ما كان يظهر من خيانة أو من مشاريع مستقبليّة للخيانة ، وكانوا يخفون بعضا من ذلك ، يتهامسون به ويتناجون ، وكانوا يظهرون بغضهم عند أوّل بادرة ضعف يلمحونها هنا وهناك في حركة الإسلام والمسلمين ، وكان النبي يراقب ذلك من قريب أو من بعيد ، وكان المسلمون يرصدون ذلك ويلاحظونه ، وكانوا يتألمون من ذلك ويبصرون ويتحرّجون من مواجهتهم بالعنف ، لأنهم لا يزالون في عهد معهم ، والله لا يريد للمؤمنين أن ينقضوا عهودهم.
وربّما كانت الفكرة التي أوحت بتلك العهود التي أعطاها المسلمون لهم مما أوجب الله عليهم الوفاء به ، هي أن الله أراد لهم أن ينفتحوا على الإسلام من خلال أجواء الحرية التي يأوون إلى كنفها ، ويستريحون إلى ظلّها في دعة واطمئنان ، بعيدا عن أيّ ضغط نفسيّ أو أمني ، ليفكروا في قضية الإيمان من موقع الحريّة الفكريّة إذا أرادوا أن يحصلوا على القناعة من خلال الفكر ، وكان الإسلام واثقا من النتيجة الحاسمة في حركة الإيمان في الداخل من خلال