وعذّبوا من أجل الله ، فكانت مشاعرهم المضادّة للمشركين بعيدة عن الجانب الشخصي لأنها متصلة بالجانب الرسالي في حركته المرتبطة بالجانب السلبي أو الإيجابي من العلاقات الإنسانية (وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ) في ما كانوا يشعرون به من الاختناق الروحي إزاء الواقع الممتد للشرك والمشركين (وَيَتُوبُ اللهُ عَلى مَنْ يَشاءُ) ممن أسلم قلبه وفكره وموقفه لله وأناب إليه وانطلق في الخطوات المستقيمة التي تتحرك في طريق الحق ، فإن الله يقبل التوبة عن عباده ، إذا انطلقت من مواقع الإيمان المنفتح والقناعة المطمئنة (وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) فقد أحاط بخفايا النفوس ، بكل ما تضمره وتظهره ، وقدّر الأشياء بحكمته في حركة الوجود ، وفي تنظيم الأمور ، وفي مغفرته ورحمته للخاطئين المذنبين الذين أراد لهم من خلال التوبة أن يصحّحوا أخطاءهم وينفتحوا على الطريق المشرق في درب الرسالات المستقيم.
* * *
اختبار الإيمان
(أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ) بمواجهة التجربة الصعبة التي يقف فيها الإنسان على الأرض المهتزّة تحت أقدامه ، ليرى الذين يثبتون في مواقف الاهتزاز ، فلا يستسلمون لنقاط الضعف ، بل يعملون على تحويلها إلى نقاط قوّة ، بالصبر الواعي والإرادة الحاسمة ، والفكرة الحرّة ، حيث تتعمّق أقدامهم في الأرض الصلبة ، وترتبط أفكارهم بالأفق الرحب من الحياة في نطاق الرسالة ، وتتصل أرواحهم بالله ، في ما يلتقون عليه من علاقات فكرية أو روحية أو إنسانية. فليس هناك إلا الله ، الإله الواحد الذي تتجه إليه العبادة ، وتخشع كل القلوب له ، وليس هناك في قيادة الرسالة ، في خط الحياة ، إلا الرسول الذي لا ينطلق إلا عن الله في كلّ ما ينطق به ، ولا يشرّع إلا شريعة الله ، وليس هناك في حركة العلاقات إلا العلاقة بالمؤمنين الذين