منع المشركين من إعمار المساجد
كان المشركون يترددون على المسجد الحرام في مكة ، ويحجون إلى البيت الحرام ويطوفون به ، في ما توارثوه من عبادة الحج من عهد إبراهيم عليهالسلام. ولكنهم كانوا يمارسون عبادة الأصنام التي نصبوها على جدران الكعبة ، وبذلك كان الجوّ هناك ، جوّ شرك في العبادة مما يتنافى مع الأجواء الروحية التوحيدية التي يريد الله لزوّار مسجده أن يعيشوها في إخلاص العبادة له ، ورفض كل عبادة لغيره ، سواء أكانت وسيلة للتقرب إليه ، مما كان المشركون يعتقدونه في تلك الأصنام من القداسة الذاتية حيث تقرّبهم إلى الله زلفى ، أم كانت مستقلّة في العبادة في ما يعتقده بعضهم من معاني الألوهية في داخلها ، فالمسجد هو بيت الله ، فلا مجال فيه إلا لعبادته.
وهذا هو ما أراد الله لنبيه أن يعلنه ، في إعلان البراءة ، من منع المشركين من الحج بعد ذلك العام ، في ما نادى به الإمام علي عليهالسلام من قوله : «لا يحج بعد العام مشرك» ، وهذا هو ما نفهمه من هاتين الآيتين.
* * *
حبطت أعمال المشركين
(ما كانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللهِ) والمراد من العمارة ـ هنا على الظاهر ـ هو عمارتها بالتواجد فيها وممارسة شؤون العبادة التي يبتعدون فيها عن روح التوحيد ، وليس المراد عمارتها بالعمل على تشييدها ، لأن ذلك لا يتناسب مع أجواء الآيات ، (شاهِدِينَ عَلى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ) بالله الواحد ، لأن ذلك هو ما تمثّله عبادة الأصنام التي تعتبر شهادة فعليّة بالكفر الذي يبعد عن