إليهم من خلال إرادته لتقديم النموذج الحيّ للانحراف في التصور والعقيدة. (ذلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ يُضاهِؤُنَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ) كوجه بارز من وجوه التأثر الفكري بالتيارات الكافرة الموجودة في حياتهم ، مما يدفعهم إلى التشبه بهم في الشكل والمضمون. وهذا لون من ألوان الضعف الذي يعيشه الإنسان إذا وقف أمام الآخرين ، الذين يملكون القوة ، فيحاول أن يوفّق بين إخلاصه لعقيدته ، وبين انسحاقه أمام عقيدة الآخرين ، فيعمل على الدخول في عمليات التسوية والتبرير والتوفيق بين المفاهيم المختلفة ليجمع بينها في عمليّة متكلّفة ، لا تلتقي فيها بهذا المفهوم أو ذاك ، بل تخرج لنا مفهوما غريبا في طبيعته وفي ملامحه.
ولعل هذا هو ما نواجهه في الانحراف الفكري الذي يتمثل في تفكير المسلمين من خلال انبارهم بثقافة الغرب الكافر الذي يملك القوّة الماديّة التي يسيطر ـ من خلالها ـ على حياتهم وأفكارهم ، فيحاولون السير وراءه ، والعمل بمخططاته ، ولكن بشكل إسلاميّ ، يفقد فيه التفكير الإسلامي مضمونه ومحتواه. (قاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ) أي يصرفون ، وهذا تعبير عن رفض الله لهم وإبعاده لهم عن ساحته بالمستوى الذي تتحول فيه القضية إلى الإيحاء بقتال الله لهم ، لأنّهم لا يملكون حجّة يحتجون بها ولا قاعدة يرتكزون عليها ، بل هو الوهم والخيال ونزعة تقليد الضعيف للقوي في محاولة للحصول على رضاه.
* * *
الأحبار والرهبان أرباب من دون الله
ويأخذ الانحراف بعدا آخر ، في علاقتهم بأحبارهم ورهبانهم ، في ما يمثلون من واقع رسميّ للدين ، فيستسلمون لهم بكل شيء ، من دون أن