رئيسا للكهنة في تلك السنة تنبّأ أن يسوع منتظر أن يموت عند الأمة ٥٢ وليس عن الأمة فقط ، بل ليجمع أبناء الله المتفرّقين إلى واحد». وهذا غلط بوجوه : الأول : إن مقتضى هذا الكلام أن رئيس كتبة اليهود لا بدّ من أن يكون نبيّا ، وهو فاسد يقينا. الثاني : إن قوله هذا لو كان بالنبوّة يلزم أن يكون موت عيسى عليهالسلام كفّارة عن قوم اليهود فقط ، لا عن العالم هو خلاف ما يزعمه أهل التثليث. ويلزم أن يكون قول الإنجيلي : (وليس عن الأمة فقط) إلخ. لغوا مخالفا للنبوّة. الثالث : إن النبيّ المسلم نبوّته عند هذا الإنجيلي هو الذي كان رئيس الكهنة حين أسر وصلب عيسى عليهالسلام ، وهو الذي أفتى بقتل عيسى عليهالسلام وكذّبه وكفّره ، ورضي بتوهينه وضربه. في الباب السادس والعشرين من إنجيل متّى هكذا : «والذين أمسكوا يسوع مضوا به إلى قيافا رئيس الكهنة إلخ. ٦٣ وأما يسوع فكان ساكتا. فأجاب رئيس الكهنة وقال : أستحلفك بالله الحيّ أن تقول لنا هل أنت المسيح ابن الله ٦٤ فقال له يسوع : أنت قلت ، وأيضا أقول لكم إنكم من الآن تبصرون ابن الإنسان جالسا عن يمين القوة وآتيا على سحاب السماء ٦٥ فمزّق حينئذ رئيس الكهنة ثيابه قائلا : قد جدف ما حاجتنا بعد إلى شهود ، ها قد سمعتم تجديفه ٦٦ ما ذا ترون؟ فأجابوا وقالوا : إنه مستوجب الموت ٦٧ حينئذ بصقوا في وجهه ولكموه وآخرون لطموه». انتهى. وقد اعترف الإنجيلي الرابع أيضا في الباب الثامن عشر من إنجيله هكذا : «ومضوا به إلى حنان أولا لأنه كان حنان قيافا الذي كان رئيسا للكهنة في تلك السنة. وكان قيافا هو الذي أشار على اليهود أنه خير أن يموت إنسان واحد عن الشعب». انتهى. فأقول : لو كان قوله المذكور بالنبوّة ، وكان معناه كما فهم الإنجيلي ، فكيف أفتى بقتل عيسى عليهالسلام؟ وكيف كذّبه وكفّره ورضي بتوهينه وضربه؟ أيفتي النبي بقتل الإله؟ أيكذّبه في ألوهيته ويكفّره ويهينه؟ وإن كانت النبوّة حاوية لأمثال هذه الشنائع أيضا فنحن برآء عن هذه النبوّة وعن صاحبها ، ويجوز على هذا التقدير عند العقل أن يكون عيسى عليهالسلام أيضا نبيّا ، لكنه ركب مطيّة الغواية ، والعياذ بالله. فارتدّ وادّعى الألوهية وكذّب على الله ، ودعوى العصمة في حقه خاصّة في التقدير المذكور غير مسموع. والحق أن يوحنّا الحواري بريء عن أمثال هذه الأقوال الواهية ، كما أن عيسى عليهالسلام بريء عن ادّعاء الألوهية. وهذه كلها من خرافات المثلثين. ولو فرض صحة قول قيافا يكون معناه ، أن تلاميذ عيسى عليهالسلام وشيعته ، لمّا جعلوا دأبهم أن عيسى عليهالسلام هو المسيح الموعود ، وكان زعم الناس أن المسيح لا بدّ أن يكون سلطانا عظيما من سلاطين اليهود ، خاف هو وأكابر اليهود أن هذه الإشاعة موجبة للفساد مهيّجة عليهم غضب قيصر رومية فيقعون في بلاء عظيم ، فقال : إن في هلاك عيسى فداء لقومه من هذه الجهة ، لا من جهة خلاص النفوس من الذنب الأصلي الذي عندهم عبارة عن الذنب الذي صدر عن آدم