الفصل الأول
في إثبات نبوّته صلىاللهعليهوسلم وفيه ستة مسالك
المسلك الأول : انه ظهرت معجزات كثيرة على يده صلىاللهعليهوسلم. وأذكر نبذا منها في هذا المسلك من القرآن والأحاديث الصحيحة بحذف الإسناد ، وأوردها في نوعين. وقد عرفت في الفصل الثالث من الباب الخامس ، على أتمّ تفصيل ، أنه لا شناعة عقلا ونقلا في اعتبار الروايات اللسانية المشتملة على شروط الرواية المعتبرة عند علمائنا رحمهمالله تعالى.
أما النوع الأول : ففي بيان أخباره عن المغيبات الماضية والمستقبلة. أما الماضية فكقصص الأنبياء عليهمالسلام ، وقصص الأمم الخالية من غير سماع من أحد ولا تلقّن من كتاب ، كما عرفت في الأمر الرابع من الفصل الأول من الباب الخامس. وقد أشير إليه بقوله تعالى : (تِلْكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيها إِلَيْكَ ما كُنْتَ تَعْلَمُها أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هذا) [هود : ٤٩]. والمخالفة التي وقعت بين القرآن وكتب أهل الكتاب في بيان بعض هذه القصص ، فقد عرفت حالها في الفصل الثاني من الباب الخامس من جواب الشّبهة الثانية. وأما المستقبلة فكثيرة. عن حذيفة رضي الله عنه أنه قال : «قام فينا مقاما فما ترك شيئا يكون في مقامه ذلك إلى قيام الساعة إلا حدثه ، حفظه من حفظه ، ونسيه من نسيه ، قد علمه أصحابي هؤلاء. وانه ليكون منه الشيء فأعرفه وأذكره كما يذكر الرجل وجه الرجل إذا غاب عنه ثم إذا رآه وعرفه». رواه البخاري ومسلم. وقد عرفت في الأمر الثالث من الفصل الأول من الباب الخامس اثنين وعشرين خبرا من الأخبار المندرجة في القرآن. وقال الله تعالى : (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ) [البقرة : ٢١٤]. فوعد الله المسلمين في هذا القول بأنهم يزلزلون حتى يستغيثوه ويستنصروه.