عليهالسلام خصص علم القيامة بالله ونفى عن نفسه ، كما نفى عن عباد الله الآخرين ، وسوّى بينه وبينهم في هذا ولا يمكن هذا في صورة كونه إلها. سيما إذا لاحظنا أن الكلمة وأقنوم الابن عبارتان عن علم الله وفرضنا اتحادهما بالمسيح وأخذنا هذا الاتحاد على مذهب القائلين بالحلول أو على مذهب اليعقوبية القائلين بالانقلاب ، فإنه يقتضي أن يكون الأمر بالعكس ، ولا أقل من أن يعلم الابن كما يعلم الأب. ولما لم يكن العلم من صفات الجسد ، فلا يجري فيه عذرهم المشهور أنه نفى عن نفسه باعتبار جسميته ، فظهر أنه ليس إلها باعتبار الجسمية ولا باعتبار غيرها.
القول الرابع : في الباب العشرين من إنجيل متّى هكذا : «تقدمت إليه أم ابني زبدى مع ابنيها وسجدت وطلبت منه شيئا ٢١ فقال لها : ما ذا تريدين؟ قالت له : أن يجلس ابناي هذان واحد عن يمينك والآخر عن اليسار في ملكوتك ٢٢ فأجاب يسوع إلخ ٢٣ الجلوس عن يميني وعن يساري فليس لي أن أعطيه إلا للذين أعد لهم من أبي». انتهى ملخصا. فنفى عيسى عليهالسلام هاهنا عن نفسه القدرة وخصصها بالله ، كما نفى عن نفسه علم الساعة وخصصه بالله ، ولو كان إلها لما صحح هذا.
القول الخامس : في الباب التاسع عشر من إنجيل متّى هكذا : «١٦ وإذا واحد تقدم وقال له أيها المعلم الصالح ، أي صلاح أعمل لتكون لي الحياة الأبدية؟ ١٧ فقال له : لما ذا تدعوني صالحا ، ليس أحد صالحا إلا واحد وهو الله». فهذا القول يقلع أصل التثليث ، وما رضي تواضعا أن يطلق عليه لفظ الصالح. أيضا ولو كان إلها لما كان لقوله معنى ، ولكان عليه أن يبيّن لا صالح إلا الأب وأنا وروح القدس ، ولم يؤخر البيان عن وقت الحاجة. وإذا لم يرض بقوله الصالح ، فكيف يرضى بأقوال أهل التثليث التي يتفوهون بها في أوقات صلاتهم يا ربنا وإلهنا يسوع المسيح لا تضيع من خلقت بيدك؟ حاشا جنابه أن يرضى بها.
القول السادس : في الباب السابع والعشرين من إنجيل متّى هكذا : «٤٦ ونحو الساعة التاسعة صرخ يسوع بصوت عظيم قائلا : إيلي إيلي لما شبقتني؟ أي إلهي إلهي لما ذا تركتني؟ ٥٠ فصرخ يسوع أيضا بصوت عظيم وأسلم الروح». وفي الآية السادسة والأربعين من الباب الثالث والعشرين من إنجيل لوقا هكذا : «ونادى يسوع بصوت عظيم وقال : يا أبتاه في يديك أستودع روحي». وهذا القول ينفي ألوهية المسيح رأسا ، سيما على مذهب القائلين بالحلول أو الانقلاب ، لأنه لو كان إلها لما استغاث بإله آخر بأن قال إلهي إلهي لما ذا تركتني ، ولما قال يا أبتاه في يديك أستودع روحي ، ولامتنع العجز والموت عليه. الآية الثامنة والعشرون من الباب الأربعين من كتاب أشعيا هكذا : «أما عرفت أو ما سمعت إله سرمديّ الربّ الذي خلق أطراف الأرض ، لن يضعف ولن يتعب وليس فحصا عن حكمته». والآية السادسة من الباب