مثلها هي أن تحب قريبك كنفسك ليس وصية أخرى أعظم من هاتين ٣٢ فقال له الكاتب جيدا يا معلم بالحق قلت لأنه ـ أي الله ـ واحد وليس آخر سواه ٣٣ ومحبته من كل القلب ومن كل الفهم ومن كل النفس ومن كل القدرة ومحبة القريب كالنفس هي أفضل من جميع المحرقات والذبائح ٣٤ فلما رآه يسوع أنه أجاب بعقل قال له لست بعيدا عن ملكوت الله». وفي الباب الثاني والعشرين من إنجيل متى ، في قوله عليهالسلام بعد بيان الحكمين المذكورين هكذا : «بهاتين الوصيتين يتعلق الناموس والأنبياء وهو الحق وهو سبب قرب الملكوت ، أن يعتقد أن الله واحد ولا إله غيره. ولو كان اعتقاد التثليث مدار النجاة لكان مبيّنا في التوراة وجميع كتب الأنبياء ، لأنه أول الوصايا ، ولقال عيسى عليهالسلام : أوّل الوصايا الرب واحد ذو أقانيم ثلاثة ممتازة بامتياز حقيقي. لكنه لم يبيّن في كتاب من كتب الأنبياء صراحة ، ولم يقل عيسى عليهالسلام هكذا ، فلم يكن مدار النجاة. فثبت أن مدارها هو اعتقاد التوحيد الحقيقي ، لا اعتقاد التثليث. وهوسات التثليثيين باستنباطه من بعض كتب الأنبياء لا يتمّ على المخالف ، لأن هذا الاستنباط خفي جدا مردود بمقابلة النص. وغرض المخالف هذا أن اعتقاد التثليث لو كان له دخل ما في النجاة لبيّنه الأنبياء الإسرائيلية بيانا واضحا ، كما بينوا التوحيد في الباب الرابع من كتاب الاستثناء : «٣٥ لتعلم أن الرب هو الله وليس غيره ٣٦ فاعلم اليوم واقبل بقلبك أن الرب هو الإله في السماء من فوق وعلى الأرض من تحت وليس غيره». وفي الباب السادس من السفر المذكور : «٤ اسمع يا إسرائيل أن الرب إلهنا فإنه رب واحد ٥ حب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل قوتك». وفي الباب الخامس والأربعين من كتاب اشعياء : «٥ أنا هو الرب وليس غيري وليس دوني إله شددتك ولم تعرفني ٦ ليعلم الذين هم من مشرق الشمس والذين هم من المغرب أنه ليس غيري أنا الرب وليس آخر». فالواجب على أهل المشرق والمغرب أن يعلموا أن لا إله إلا الله وحده ، لا أن يعلموا أن الله ثالث ثلاثة. وفي الآية التاسعة من الباب السادس والأربعين من كتاب أشعياء : «إني أنا الله وليس غيري إلها وليس لي شبه» (١).
القول الثالث : في الآية الثانية والثلاثين من الباب الثالث عشر من إنجيل مرقس قول المسيح عليهالسلام هكذا : «وأما ذلك اليوم وتلك الساعة فلا يعلم بهما أحد ولا الملائكة الذين في السماء ولا الابن إلا الأب». وهذا القول ينادي على بطلان التثليث ، لأن المسيح
__________________
(١) حرّف صاحب الترجمة العربية المطبوعة سنة ١٨١١ قول المسيح عليهالسلام بتبديل ضمير المتكلم بضمير الخطاب وترجم هكذا (الرب إلهك إله واحد). وضيع بهذا التحريف المقصود الأعظم ، لأن ضمير المتكلم هاهنا دالّ على أن عيسى ليس برب بل عبد مربوب بخلاف ضمير الخطاب. والظاهر أن هذا التحريف قصدي.