[إبراهيم : ١٥ ـ ١٧). وفي الزجر والتوبيخ قوله : (فَكُلًّا أَخَذْنا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِ حاصِباً وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنا وَما كانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) [العنكبوت : ٤٠]. وفي الوعظ قوله : (أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْناهُمْ سِنِينَ ثُمَّ جاءَهُمْ ما كانُوا يُوعَدُونَ ما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يُمَتَّعُونَ) [الشعراء : ٢٠٥ ـ ٢٠٧]. وفي الإلهيات قوله : (اللهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ وَما تَزْدادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعالِ) [الرعد : ٨ ـ ٩].
سابعها : الأغلب أنه إذا انتقل الكلام من مضمون إلى مضمون آخر واشتمل على بيان أشياء مختلفة لا يبقى حسن ربط الكلام ، ويسقط عن الدرجة العالية للبلاغة. والقرآن يوجد فيه الانتقال من قصة إلى قصة أخرى ، والخروج من باب إلى باب ، والاشتمال على أمر ونهي وخبر واستخبار ووعد ووعيد وإثبات النبوّة وتوحيد الذات وتفريد الصفات ، وترغيب وترهيب وضرب مثال وبيان حال. ومع ذلك يوجد فيه كمال الربط والدرجة العالية للبلاغة الخارجة عن العادة فتحيّر فيها عقول بلغاء العرب.
ثامنها : ان القرآن في أغلب المواضع يأتي بلفظ يسير متضمن لمعنى كثير ويكون اللفظ أعذب. ومن تأمل في سورة (ص) علم ما قلت كيف صدرها وجمع فيها من أخبار الكفار وخلافهم ، وتقريعهم بإهلاك القرون من قبلهم ، ومن تكذيبهم لمحمد صلىاللهعليهوسلم ، وتعجبهم مما آتى به ، والخبر عن إجماع ملئهم على الكفر ، وظهور الحسد في كلامهم ، وتعجيزهم وتحقيرهم ووعيدهم بخزي الدنيا والآخرة ، وتكذيب الأمم قبلهم وإهلاك الله لهم ، ووعيد قريش وأمثالهم مثل مصابهم وحمل النبيّ على الصبر على أذاهم وتسليته بكل ما تقدم بيانه عنهم ، ثم شرع بعد تسليته في قصص الأنبياء مثل داود وسليمان وأيوب وإبراهيم ويعقوب وغيرهم عليهمالسلام. وكل هذا الذكر ذكر من أولها إلى آخرها في ألفاظ يسيرة متضمنة لمعان كثيرة. وكذلك قوله تعالى : (وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ) [البقرة : ١٧٩]. فإن هذا القول لفظه يسير ومعناه كثير. ومع كونه بليغا مشتملا على المطابقة بين المعنيين المتقابلين ، وهما القصاص والحياة ، وعلى الغرابة بجعل القتل الذي هو مفوّت للحياة ظرفا لها ، وأولى من جميع الأقوال المشهورة عند العرب في هذا الباب لأنهم عبّروا عن هذا المعنى بقولهم : «قتل البعض أحياء للجميع» وقولهم «أكثروا القتل ليقل القتل» وقولهم «القتل أنفى للقتل». وأجود الأقوال المنقولة عن القول الأخير. ولفظ القرآن أفصح منه بستة أوجه : / ١ / انه أخصر من الكل لأن قوله (ولكم) لا يدخل في هذا الباب ، لأنه لا بدّ من تقدير ذلك في الكل. لأن قول القائل قتل