البعض أحياء للجميع لا بدّ فيه من تقدير مثله ، وكذلك في قولهم القتل أنفى للقتل. / ٢ / ان قولهم القتل أنفى للقتل ظاهره يقتضي كون الشيء سببا لانتفاء نفسه ، بخلاف لفظ القرآن فإنه يقتضي أن نوعا من القتل وهو القصاص سبب لنوع من أنواع الحياة. / ٣ / ان في قولهم الأجود تكرير لفظ القتل بخلاف لفظ القرآن ، فإنه يفيد الردع عن القتل والجرح ، فهو أفيد. / ٥ / ان قولهم الأجود دال على ما هو المطلوب بالتبع بخلاف لفظ القرآن ، فإنه دالّ على ما هو مقصود أصلي ، لأن نفي القتل مطلوب تبعا من حيث أنه يتضمن حصول الحياة الذي هو مطلوب أصالة. / ٦ / ان القتل ظلما أيضا قتل ، مع أنه ليس بناف للقتل بخلاف القصاص ، فظاهر قولهم باطل. وأما لفظ القرآن فصحيح ظاهرا وباطنا. وكذلك قوله تعالى : (وَمَنْ يُطِعِ اللهَ) في فرائضه (وَرَسُولَهُ) في سننه أو في جميع ما يأمرانه وينهيانه (وَيَخْشَ اللهَ) أي يخف خلافه عقابه وحسابه (وَيَتَّقْهِ) فيما بقي من عمره في جميع أمره (فَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ) بالمراد في المبدأ والمعاد فإن هذا القول مع وجازة لفظه جامع لجميع الضروريات. حكي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يوما نائما في المسجد ، فإذا هو بقائم على رأسه يتشهد شهادة الحق. فأعلمه أنه من بطارقة الروم من جملة من يحسن فهم الألسن من العرب وغيرها ، وأنه سمع رجلا من أسراء المسلمين يقرأ آية من كتابكم ، فتأملها فإذا هي جامعة لكل ما أنزل الله على عيسى ابن مريم من أحوال الدنيا والآخرة. وهي قوله : (وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ) [النساء : ١٣]. وحكي أن طبيبا نصرانيا حاذقا سأل الحسين بن علي الواقدي : لما ذا لم ينقل شيء في كتابكم عن علم الطب والعلم علمان علم الأبدان وعلم الأديان؟ فقال الحسين : إن الله بيّن علم الطب كله في نصف آية. فسأل الطبيب النصراني عن هذه الآية ، فقال هي قوله : (كُلُوا وَاشْرَبُوا) [الأعراف : ٣١]. ما أحلّ الله لكم من المطعومات والمشروبات (وَلا تُسْرِفُوا) [الأعراف : ٣١] أي لا تتعدوا إلى الحرام ولا تكثروا الإنفاق المستقبح ، ولا تتناولوا مقدارا كثيرا يضركم ولا تحتاجون إليه. ثم سأل الطبيب : أقال نبيّكم أيضا شيئا في هذا الأمر؟ فقال الحسين : إن نبيّنا أيضا جمع الطب في ألفاظ يسيرة. فسأل الطبيب عنها فقال الحسين هي هذه : «المعدة بيت الداء والحمية رأس كل دواء وأعط كل بدن ما عودته». فقال الطبيب : الانصاف أن كتابكم ونبيّكم ما تركا حاجة إلى جالينوس. يعني بيّنا الأمر الذي هو رأس حفظ الصحة وإزالة المرض وأصلهما ومدارهما.
تاسعها : (١) أن الجزالة والعذوبة بمنزلة الصفتين المتضادتين ، واجتماعهما على ما هو ينبغي في كل جزء من الكلام الطويل خلاف العادة المعتادة للبلغاء. فاجتماعهما في كل
__________________
(١) يتابع المؤلف تفصيل الأمر الأول في كون القرآن معجزا في البلاغة ...