القصيرة ، كانوا قادرين على الإتيان بمثلها ، قلت : هذه الملازمة ممنوعة لأن حكم الجملة قد يخالف حكم الأجزاء. ألا ترى أن كل شعرة شعرة لا يصلح أن يربط بها الفيل أو السفينة ، وإذا سوّي من الشعرات حبل متين يصلح أن يربط بهذا الحبل الفيل أو السفينة ، لأنها ، لو صحّت ، لزم أن يكون كل أحاد العرب قادرا على الإتيان بمثل فصحائهم كامرئ القيس واضرابه!؟
الأمر الثالث : كون القرآن منطويا على الإخبار عن الحوادث الآتية فوجدت في الأيام اللاحقة على الوجه الذي أخبر. / ١ / كقوله تعالى : (لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخافُونَ ...) [الفتح : ٢٧] ، فوقع كما أخبر ودخل الصحابة المسجد الحرام آمنين محلقين رءوسهم ومقصرين غير خائفين / ٢ / وكقوله تعالى : (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً) [النور : ٥٥]. فكان الله وعد المؤمنين بجعل الخلفاء منهم وتمكين الدين المرضي لهم وتبديل خوفهم بالأمن ، فوفى وعده في مدة قليلة بأن ظهر في حياة الرسول صلىاللهعليهوسلم أن أهل الإسلام تسلطوا على مكة وخيبر والبحرين ومملكة اليمن وأكثر ديار العرب ، وأن إقليم الحبش صار دار الإسلام بإيمان النجاشي الملك ، وأن أناسا من هجر وبعض المسيحيين من نواحي الشام قبلوا الإطاعة وأداء الجزية ، وأن هذا التسلط زاد في خلافة الصديق الأكبر رضي الله عنه بأن تسلّط أهل الإسلام على بعض ديار فارس وعلى بصرى ودمشق وبعض الديار الأخر من الشام أيضا ، ثم زاد هذا التسلط في خلافة الفاروق رضى الله عنه بأن تسلطوا على سائر ديار الشام وجميع مملكة مصر وعلى أكثر ديار فارس أيضا ، ثم زاد هذا التسلط في خلافة ذي النورين رضي الله عنه بأن تسلطوا في جانب الغرب إلى أقصى الأندلس والقيروان وفي جانب الشرق إلى حد الصين ، ففي مدة ثلاثين سنة تسلط أهل الإسلام على هذه الممالك تسلطا تاما وغلب دين الله المرضي على سائر الأديان في هذه الممالك ، فكانوا يعبدون الله آمنين غير خائفين. وفي خلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه ، وإن لم يتسلط أهل الإسلام على الممالك الجديدة ، لكنه لا شبهة في ترقي الملة الإسلامية في عهده الشريف أيضا. / ٣ / وكقوله تعالى : (... سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ ...) [الفتح : ١٦]. ووقع كما أخبر ، لأن المراد ب «قوم أولي بأس» ، على أظهر الوجوه وأشهرها بنو حنيفة ، قوم مسيلمة الكذاب والداعي الصدّيق الأكبر رضي الله عنه». / ٤ / وكقوله تعالى : (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ