الفائدة الثالثة : سبب تكرار بيان التوحيد وحال القيامة وقصص الأنبياء في مواضع ، أن العرب كانوا مشركين وثنيين ينكرون هذه الأشياء. وغير العرب ، بعضهم مثل أهل الهند والصين والمجوس ، كانوا مثل العرب في الإنكار ، وبعضهم كأهل التثليث كانوا في الإفراط والتفريط في اعتقاد هذه الأشياء. فلأجل التقرير والتأكيد كرر بيان هذه الأشياء. ولتكرار القصص أسباب أخر أيضا ، منها أن إعجاز القرآن ، لما كان باعتبار البلاغة أيضا وكان التحدي بهذا الاعتبار ، فكررت القصص بعبارات مختلفة إيجازا وإطنابا مع حفظ الدرجة العليا للبلاغة في كل مرتبة ليعلم أنّ القرآن ليس كلام البشر. لأن هذا الأمر عند البلغاء خارج عن القدرة البشرية ، ومنها أنه كان لهم أن يقولوا أن الألفاظ الفصيحة التي كانت مناسبة لهذه القصة استعملتها ، وما بقيت الألفاظ الأخرى مناسبة لها ، وأن يقولوا أن طريق كل بليغ يخالف طريق الآخر ، فبعضهم يقدر على الطريق المطنب ، وبعضهم على الموجز ، فلا يلزم من عدم القدرة على نوع عدم القدرة مطلقا ، أو أن يقولوا أن دائرة البلاغة ضيقة في بيان القصص ، وما صدر عنك بيانها مرة فمحمول على البخت والاتفاق ، فلما كررت القصص إيجازا وأطنابا لم يبق عذر من هذه الأعذار الثلاثة ، ومنها أنه صلىاللهعليهوسلم ، كان يضيق صدره بإيذاء القوم وشرهم ، كما أخبر الله تعالى : (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ) [الحجر : ٩٧] ، فيقصّ الله قصة من قصص الأنبياء مناسبة لحاله في ذلك الوقت لتثبيت قلبه ، كما أخبر الله تعالى : (وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ وَجاءَكَ فِي هذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ) [هود : ١٢٠] ، ومنها أن المسلمين كانوا يحصل لهم الإيذاء من أيدي الكفار ، أو أن قوما كانوا يسلمون ، أو أن الكفار كان المقصود تنبيههم ، فكان الله ينزل في كل موضع من هذه القصص ما يناسبه ، لأن حال السلف تكون عبرة للخلف ، ومنها أن القصة الواحدة قد تشتمل على أمور كثيرة فتذكر تارة ويقصد بها بعض الأمور قصدا وبعضها تبعا وتعكس مرة أخرى.