حفظوا الروايات الصادقة المروية عن بطرس ويعقوب ويوحنا وبولس جيلا بعد جيل. وأبي فانيس قال : الفائدة التي حصلتها من ألسنة الأحياء ما حصلتها من الكتب. وارينيوس قال سمعت الأحاديث بفضل الله بالإمعان التام وكتبتها في صدري لا في القرطاس وعادتي من قديم الأيام أني أكررها دائما بالديانة. وقال أيضا : إنه لا يوجد لطالبي الحق أمر أسهل من أن يتفحصوا في كل كنيسة عن الروايات اللسانية التي هي منقولة عن الحواريين وأظهروها في العالم كله. وقال أيضا : لو فرضنا أن الحواريين لم يتركوا الكتب لنا فنقول أنه أما كان لازما علينا أن نطيع الأحكام التي ثبتت بالروايات اللسانية التي هي منقولة عن الحواريين. وارجن وترتولين يلومان على منكري الأحاديث وباسليوس قال المسائل المأخوذة من الكتب المقدسة والمأخوذة من الأحاديث كلتاهما متساويتان في القوة. وكريزاستم قال كلتاهما متساويتان في الاعتبار ، ورواية الكنيسة منشأ الإيمان ، وإذا ثبت شيء بالرواية اللسانية فلا نطلب زائدا عليه. واكتسائن صرّح أن الأشياء الكثيرة تسلم الكنيسة العامة أن الحواريين قرروها ، وأنها ليست بمكتوبة.
فالإنصاف أن رد الجميع لا يخلو عن تعصب وجهل ويكذب هذا الأمر إنجيلهم أيضا : في الآية الرابعة والثلاثين من الباب الرابع من إنجيل مرقس هكذا : «وبدون مثل لم يكن يكلمهم ، وأما على انفراد فكان يفسّر لتلاميذه كل شيء». ويبعد أن لا يكون هذه التفسيرات كلها أو بعضها مروية ، وأن يكون الحواريون محتاجين إلى التفسير ، ومعاصرونا لا يكونون كذلك. والآية الخامسة والعشرون من الباب الحادي والعشرين من إنجيل يوحنا هكذا : «وأشياء أخر كثيرة صنعها يسوع إن كتبت واحدة واحدة فلست أظن أن العالم نفسه يسع الكتب المكتوبة». وكلام الإنجيل ، وإن لم يخل عن المبالغة والغلو ، لكنه لا شك أن قوله وأشياء أخر كثيرة يشمل جميع أفعال المسيح ، معجزات كانت أو غيرها ، ويبعد أن لا يكون شيء منها مرويا بالرواية اللسانية. والآية الخامسة عشر من الباب الثاني من الرسالة الثانية إلى أهل تسالونيقي هكذا : «فاثبتوا إذا أيها الاخوة وتمسكوا بالتعاليم التي تعلمتموها سواء كان بالكلام أم برسالتنا». وقوله (سواء كان بالكلام أم برسالتنا) يدل صراحة على أن بعض الأشياء وصلت إليهم بواسطة التحرير ، وبعضها بالكلام مشافهة. فلا بدّ أن يكون كلاهما معتبرين عند المسيحيين ، كما صرّح كريزاستم في شرح هذا الموضع على ما عرفت. وفي الآية الرابعة والثلاثين من الباب الحادي عشر من الرسالة الأولى إلى أهل قورنيثوس في الترجمة العربية المطبوعة سنة ١٨٤٤ هكذا : «فأما سائر الأشياء فسأوصيكم بها إذا قدمت إليكم». ومن البيّن أن هذه الأشياء الباقية أوصاهم بها شفاها عند ما جاء إليهم ، وهذه لم تكتب ويبعد أن لا يكون شيء منها مرويا. والآية الثالثة عشر من الباب الأول من الرسالة الثانية إلى تيموثاوس هكذا :