«تمسك بصورة الكلام الصحيح الذي سمعته مني في الإيمان والمحبة التي في المسيح يسوع». فقوله (الذي سمعته مني) يدل على أنه سمع بعض الأشياء شفاها. والآية الثانية من الباب الثاني من الرسالة المذكورة هكذا : «وما سمعته مني بشهود كثيرين أودعه أناسا أمناء يكونون كفؤا أن يعلموا آخرين أيضا». فهنا مقدسهم يأمر تيموثاوس أن يعلم الأناس الأمناء الأحاديث التي سمعها منه ، وأن يعلم الأمناء أناسا آخرين فلا بدّ أن تكون هذه الروايات مروية. وفي آخر الرسالة الثانية ليوحنا هكذا : «إذا كان لي كثير لأكتب إليكم لم أرد أن يكون بورق وحبر ، لأني أرجو أن آتي إليكم وأتكلم بالفم لكي يكون فرحنا كاملا». وفي آخر الرسالة الثالثة هكذا : «وكان لي كثير لأكتبه لكنني لست أريد أن أكتب إليك بحبر وقلم ولكنني أرجو أن أراك عن قريب فنتكلم بالفم». فهاتان الآيتان تدلان على أن يوحنا قال في المشافهة أشياء كثيرة على ما وعد ، ويبعد أن لا تكون هذه الأشياء كلها أو بعضها مروية برواية.
فظهر مما ذكرنا أن من أنكر من فرقة پروتستنت اعتبار الأحاديث مطلقا في الملة المسيحية فهو إما جاهل أو متعسف عنيد ، وقوله مخالف لكتبه المقدسة ولجمهور علمائه من القدماء ، وهو داخل في زمرة المبتدعين على قول بعض القدماء. ومع ذلك لا بدّ له من اعتبارها في كثير من هوسات فرقته مثل أن الابن مساو للأب في الجوهر ، وأن الروح القدس منشق من الأب والابن ، وأن المسيح ذو طبيعتين واقنوم واحد ، وأنه ذو إرادتين إلهية وإنسانية ، وأنه بعد ما مات نزل الجحيم وغيرها من هوساتهم. مع أن هذه الكلمات لا توجد بعينها في العهد الجديد ، وما اعتقدوا هذه الأمور إلا من الأحاديث والتقليدات. وأيضا يلزم عليه أن ينكر كثيرا من أجزاء كتبه المقدسة ، مثل أن ينكر إنجيل مرقس ولوقا ، وتسعة عشر بابا من كتاب أعمال الحواريين لأنها كتبت بالروايات اللسانية لا بالمشاهدة ولا بالوحي ، كما عرفت في الباب الأول ، ومثل أن ينكر خمسة أبواب من الخامس والعشرين إلى التاسع والعشرين من سفر الأمثال ، لأنها جمعت في عهد حزقيا من الروايات اللسانية التي كانت جارية بينهم ، وما بين زمان الجمع وموت سليمان عليهالسلام مدة مائتين وسبعين سنة. الآية الأولى من الباب الخامس والعشرين من السفر المذكور هكذا : «هذه أيضا أمثال سليمان التي استكتبتها أصدقاء حزقيا ملك يهوذا». قال آدم كلارك المفسر في تفسيره المطبوع سنة ١٨٥١ ذيل شرح هذه الآية : «يعلم أن في آخر هذا السفر أمثالا جمعت بأمر حزقيا السلطان من الروايات اللسانية التي كانت جارية من عهد سليمان ، فجمعوا هذه الأمثال منها ، وجعلوها ضميمة هذا السفر. ويمكن أن يكون المراد بأحباء حزقيا أشعيا وشنيا وغيرهما من الأنبياء الذين كانوا في ذلك العهد. فتكون تلك الضميمة مثل السفر الباقي سندا ، وإلا كيف ضموها بالكتاب المقدس». انتهى. فقوله (جمعت بأمر حزقيا السلطان من الروايات اللسانية) صريح فيما قلت. وقوله