الزَّكاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ) [الحج : ١٤١]. فقوله : (الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ) صفة لمن تقدم ، وهو قوله : (الَّذِينَ أُخْرِجُوا) فيكون المراد به المهاجرين لا الأنصار ، لأنهم ما أخرجوا من ديارهم. فوصف الله المهاجرين بأنّه إن مكنهم في الأرض وأعطاهم السلطنة ، أتوا بالأمور الأربعة ، وهي إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. لكن قد ثبت أن الله مكّن الخلفاء الأربعة رضي الله عنهم في الأرض فوجب كونهم آتين بالأمور الأربعة. وإذا كانوا كذلك ثبت كونهم على الحق. وفي قوله : (لِلَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ) دلالة على أن الذي تقدّم ذكره من تمكينهم في الأرض كائن لا محالة ثم أن الأمور ترجع إلى الله تعالى بالعاقبة فإنه هو الذي لا يزول ملكه.
٦ ـ وقال الله تعالى في سورة الحج : (وَجاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهادِهِ هُوَ اجْتَباكُمْ وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هذا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ) [الحج : ٧٨]. فسمّى الله في هذه الآية الصحابة بالمسلمين.
٧ ـ وقال الله تعالى في سورة النور : (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ) [النور : ٥٥]. ولفظ (من) في قوله (منكم) للتبعيض (وكم) ضمير الخطاب ، فيدلان على أن المراد بهذا الخطاب بعض المؤمنين الموجودين في زمان نزول هذه السورة لا الكل. ولفظ الاستخلاف يدلّ على أنّ حصول ذلك الوعد يكون بعد الرسول صلىاللهعليهوسلم. ومعلوم أنه لا نبي بعده لأنه خاتم الأنبياء ، فالمراد بهذا الاستخلاف طريقة الإمامة ، والضمائر الراجعة إليهم في قوله : (ليستخلفنهم) إلى قوله : (لا يشركون) وقعت كلها على صيغة الجمع ، والجمع حقيقة لا يكون محمولا على أقل من ثلاثة ، فتدل على أن هؤلاء الأئمة الموعود لهم لا يكونون أقل من ثلاثة. وقوله : (ليمكنن لهم) إلى آخره ، وعد لهم بحصور القوة والشوكة والنفاذ في العالم فيدل على أنهم يكونون أقوياء ذوي شوكة نافذ أمرهم في العالم. وقوله : (دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ) يدل على أن الدين الذي يظهر في عهدهم يكون هو الدين المرضي لله. وقوله : (لَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً) يدل على أنهم في عهد خلافتهم يكونون آمنين غير خائفين ولا يكونون في الخوف والتقية. وقوله : (يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً) يدل على أنهم في عهد خلافتهم أيضا يكونون مؤمنين لا مشركين. فدلت الآية على صحة إمامة الأئمة الأربعة