وأما النوع الثاني : ففي الأفعال التي ظهرت منه عليهالسلام على خلاف العادة ، وهي تزيد على ألف وأكتفي على ذكر أربعين : ١ ـ قال الله تعالى : في سورة بني إسرائيل : (سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا) [الإسراء : ١]. فهذه الآية والأحاديث الصحيحة تدل على أن المعراج كان في اليقظة بالجسد. أما دلالة الأحاديث ففي غاية الظهور ، وأما دلالة الآية فلأن لفظ «العبد» يطلق على مجموع الجسد والروح. قال الله تعالى : (أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى عَبْداً إِذا صَلَّى) [العلق : ٩ ـ ١٠] ، وقال أيضا في سورة الجن : (وَأَنَّهُ لَمَّا قامَ عَبْدُ اللهِ يَدْعُوهُ كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً) [١٣]. ولا شك أن المراد في الموضعين من العبد مجموع الروح والجسد ، فكذا المراد بالعبد هاهنا. ولأن الكفار استبعدوا هذا المعراج وأنكروه ، وارتد بسماعه ضعفاء المسلمين ، وافتتنوا به ، فلو لم يكن المعراج بالجسد وفي اليقظة ، لما كان سببا لاستبعاد الكفار وإنكارهم ، وارتداد ضعفاء المسلمين وافتتانهم. إذ مثل هذا في المنامات لا يعد من المحال ولا يستبعد ولا ينكر. ألا ترى أن أحدا لو ادّعى أنه سار في نومه مرة في الشرق ومرة في الغرب وهو لم يتحول عن مكانه ولم تتبدل حاله الأولى لم ينكره أحد ولم يستبعد ولا استحالة فيه عقلا ونقلا؟ أما عقلا ، فلأن خالق العالم قادر على كل الممكنات ، وحصول الحركة البالغة في السرعة إلى هذا الحدّ في جسد محمد صلىاللهعليهوسلم ممكن. فوجب كونه تعالى قادرا عليه. وغاية ما في الباب أنه خلاف العادة. والمعجزات كلها تكون كذلك. وأما نقلا ، فلأن صعود الجسم العنصري إلى الأفلاك ليس بممتنع عند أهل الكتاب. قال القسيس وليم اسمت في كتابه المسمى بطريق الأولياء في بيان حال اخنوخ الرسول الذي كان قبل ميلاد المسيح بثلاث آلاف سنة وثلاثمائة واثنتين وثمانين سنة هكذا : «إن الله نقله حيا إلى السماء لئلا يرى الموت ، كما هو مرقوم أنه لم يوجد لأن الله نقله فترك الدنيا من غير أن يحمل المرض والوجع والألم والموت ودخل بجسده في ملكوت السماء». انتهى. وقوله : (كما هو مرقوم) إشارة إلى الآية الرابعة والعشرين من الباب الخامس من سفر التكوين. وفي الباب الثاني من سفر الملوك الثاني هكذا : «وكان لما أراد الرب أن يصعد إيليا بالعجاج إلى السماء انطلق إيليا واليسع من الجلجال ١١ وبينما هما يسيران ويتكلمان ، إذ بعجلة من نار وخيل من نار فاقتربت فيما بينهما وصعد إيليا بالعجاج إلى السماء». وقال آدم كلارك المفسر في شرح هذا المقام : «لا شك أن إيليا رفع إلى السماء حيا» انتهى كلامه. والآية التاسعة عشر من الباب السادس عشر من إنجيل مرقس هكذا : «ثم أن الرب بعد ما كلمهم ارتفع إلى السماء وجلس عن يمين الله». وقال بولس في حال معراجه في الباب الثاني عشر من رسالته الثانية إلى أهل قورنيثوس هكذا : «٢ أعرف