تلك الرسائل. لكن تطرّق الوهن بعد مدة في تنفّر بعض العوام ، وحصل خوف مزلّة أقدام بعض الجهّال الذين هم كالأنعام. فعند ذلك توجّه بعض علماء أهل الإسلام إلى ردّهم. وإني وإن كنت منزويا في زاوية الخمول وما كنت معدودا في زمر العلماء الفحول ولم أكن أهلا لهذا الخطب العظيم الشأن ، لكني لمّا اطّلعت على تقريراتهم وتحريراتهم ووصلت إلى رسائل كثيرة من مؤلّفاتهم استحسنت أن أجتهد أيضا بقدر الوسع والإمكان. فألّفت أولا الكتب والرسائل ليظهر الحال على أولي الألباب ، واستدعيت ثانيا من القسّيس الذي كان بارعا وأعلى كعبا من العلماء المسيحية الذين كانوا في الهند مشتغلين بالطّعن والجرح على الملّة الإسلامية تحريرا وتقريرا وأعني مؤلّف ميزان الحق ، أن يقع بيني وبينه المناظرة في المجلس العامّ ليتّضح حقّ الاتّضاح أن عدم توجّه العلماء الإسلامية ليس لعجزهم عن ردّ رسائل القسّيسين ، كما هو مزعوم بعض المسيحيين. فتقرّرت المناظرة في المسائل الخمس التي هي أمّهات المسائل المتنازعة بين المسيحيين والمسلمين ، أعني : التحريف والنسخ والتثليث وحقيّة القرآن ونبوّة محمد صلىاللهعليهوسلم. فانعقد المجلس العامّ في شهر رجب سنة ألف ومائتين وسبعين من هجرة سيّد الأوّلين والآخرين صلىاللهعليهوسلم في بلدة أكبرآباد وكان بعض الأحبّاء المكرّم أطال الله بقاءه معينا لي في هذا المجلس ، وكان بعض القسّيسين معينا للقسّيس الموصوف. فظهرت الغلبة لنا بفضل الله في مسألتي النسخ والتحريف اللتين كانتا من أدقّ المسائل وأقدمها في زعم القسّيس ، كما تدلّ عليه عبارته في كتاب حلّ الإشكال. فلما رأى ذلك سدّ باب المناظرة في المسائل الثلاث الباقية. ثم وقع لي الاتفاق أن وصلت إلى مكّة شرّفها الله تعالى وحضرت عتبة الأستاذ العلّامة والتحرير الفهّامة عين العلم والدراية وينبوع الحكم والرواية شمس الأدباء تاج البلغاء مقدام المحقّقين سند المدقّقين إمام المحدّثين قدوة الفقهاء والمتكلمين فلذة كبد البتول سمي الرسول المقبول سيّدي وسندي ومولاي السيّد أحمد بن زيني دحلان أدام الله فيضه إلى يوم القيام ، فأمرني أن أترجم باللسان العربي هذه المباحث الخمسة من الكتب التي ألّفت في هذا الباب ، لأنها كانت إما بلسان الفرس وإما بلسان مسلمي الهند. وكان سبب تأليفي في هذين اللسانين الأول مألوف المسلمين في تلك المملكة ، واللسان الثاني لسانهم ، وإن القسّيسين الواعظين المقيمين في تلك المملكة ماهرون في اللسان الثاني يقينا وواقفون على اللسان الأول أيضا قليلا ، سيما القسّيس الذي ناظرني فإنه كانت مهارته في الأول أشدّ من الثاني. ورأيت إطاعة أمر مولاي بمنزلة الواجب وشمّرت عن ساق الجدّ لامتثال أمره. فأرجو ممّن سلك مسلك الإنصاف وتنكّب عن طريق الاعتساف أن يستر خطائي ويجري قلم الإصلاح على هفواتي ، وأسأل الله الميسّر لكل صعاب