والقديسات. وهكذا سائر الفرق في أودية الضلال والانحراف عن الحق والاشتغال بالمحال. ولا يليق بحكمة الله الملك المبين أن لا يرسل في هذا الوقت أحدا يكون رحمة للعالمين. وما ظهر أحد يصلح لهذا الشأن العظيم ويؤسس هذا البنيان القويم غير محمد بن عبد الله صلىاللهعليهوسلم. فأزال الرسوم الزائغة والمقالات الفاسدة ، وأشرقت شموس التوحيد وأقمار التنزيه ، وزالت ظلمة الشرك والثنوية والتثليث ، والتشبيه عليه من الصلاة أفضلها ، ومن التحيات أكملها ، وإليه أشار لله تعالى بقوله : (يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا ما جاءَنا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ فَقَدْ جاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [المائدة : ١٩] قال الفخر الرازي قدسسره في تفسيره هذه الآية : «الفائدة في بعثة محمد صلىاللهعليهوسلم عند فترة من الرسل هي أن التغير والتحريف قد تطرق إلى الشرائع المتقدمة لتقادم عهدها وطول زمانها. وبسبب ذلك اختلط الحق بالباطل والصدق بالكذب ، وصار ذلك عذرا ظاهرا في إعراض الخلق عن العبادات ، لأن لهم أن يقولوا يا إلهنا عرفنا أنه لا بدّ من عبادتك ، ولكنا ما عرفنا كيف نعبد فبعث الله تعالى في هذا الوقت محمدا عليهالسلام إزالة لهذا العذر». انتهى كلامه بلفظه.
المسلك السادس : أخبار الأنبياء المتقدمين عليه عن نبوته عليهالسلام. ولما كان القسيسون يغلطون العوام في هذا الباب تغليطا عظيما استحسنت أن أقدم على نقل تلك الأخبار أمورا ثمانية تفيد للناظر بصيرة :
الأمر الأول : ان الأنبياء الإسرائيلية مثل أشعيا وأرميا ودانيال وحزقيال وعيسى عليهمالسلام أخبروا عن الحوادث الآتية ، كحادثة بختنصر وقورش واسكندر وخلفائه ، وحوادث أرض أدوم ومصر ونينوى وبابل ، ويبعد كل البعد أن لا يخبر أحد منهم عن خروج محمد صلىاللهعليهوسلم الذي كان وقت ظهوره كأصغر البقول ، ثم صار شجرة عظيمة تتأوى طيور السماء في أغصانها ، فكسر الجبابرة والأكاسرة ، وبلغ دينه شرقا وغربا ، وغلب الأديان وامتد دهرا بحيث مضى على ظهوره مدة ألف ومائتين وثمانين إلى هذا الحين ، ويمتد إن شاء الله إلى آخر بقاء الدنيا. وظهر في أمته ألوف ألوف من العلماء الربانيين والحكماء المتقنين والأولياء ذوي الكرامات والمجاهدات والسلاطين العظام. وهذه الحادثة كانت أعظم الحوادث ، وما كانت أقل من حادثة أرض أدوم ونينوى وغيرهما. فكيف يجوّز العقل السليم أنهم أخبروا عن الحوادث الضعيفة وتركوا الإخبار عن الحادثة العظيمة؟
الأمر الثاني : ان النبيّ المتقدّم إذا أخبر عن النبيّ المتأخر لا يشترط في إخباره أن يخبر بالتفصيل التام بأنه يخرج من القبيلة الفلانية في السنة الفلانية في البلد الفلاني ، وتكون صفته