كيت وكيت ، بل يكون هذا الاخبار ، في غالب الأوقات ، مجملا عند العوام. وأما عند الخواص فقد يصير جليا بواسطة القرائن ، وقد يبقى خفيا عليهم أيضا لا يعرفون مصداقه إلا بعد ادعاء النبيّ اللاحق أن النبيّ المتقدم أخبر عني وظهور صدق ادعائه بالمعجزات وعلامات النبوّة وبعد الادعاء وظهور صدقه يصير جليا عندهم بلا ريب. ولذلك يعاتبون كما عاتب المسيح عليهالسلام علماء اليهود بقوله : «ويل لكم أيها الناموسيون لأنكم أخذتم مفتاح المعرفة ما دخلتم أنتم والداخلون منعتموهم». كما هو مصرّح به في الباب الحادي عشر من إنجيل لوقا. وعلى مذاق المسيحيين قد يبقى خفيا على الأنبياء فضلا عن العلماء ، بل قد يبقى خفيا على النبيّ المخبر عنه على زعمهم. في الباب الأول من إنجيل يوحنا هكذا : «١٩ وهذه هي شهادة يوحنا حين أرسل اليهود من أورشليم كهنة ولاويين ليسألوه من أنت ٢٠ فاعترف ولم ينكر وأقرّ أني لست أنا المسيح ٢١ فسألوه من أنت إذا؟ أنت إيلياء؟ فقال لست أنا إيلياء ، فسألوه أنت النبيّ؟ فأجاب لا ٢٢ فقالوا له من أنت لنعطي جوابا للذين أرسلونا ما ذا تقول عن نفسك ٢٣ قال أنا صوت صارخ في البرية قوّموا طريق الرب كما قال أشعيا النبيّ ٢٤ وكان المرسلون من الفريسيين ٢٥ فسألوه وقالوا له فما بالك تعمّد إن كنت لست المسيح ولا إيليا ولا النبيّ». والألف واللام في لفظ النبيّ الواقع في الآية ٢١ و ٢٥ للعهد ، والمراد النبيّ المعهود الذي أخبر عنه موسى عليهالسلام في الباب الثامن عشر من سفر الاستثناء ، على ما صرّح به العلماء المسيحية. فالكهنة واللاويون كانوا من علماء اليهود وواقفين على كتبهم ، وعرفوا أيضا أنه يحيى عليهالسلام نبيّ ، لكنهم شكوا في أنه المسيح عليهالسلام أو إيلياء عليهالسلام أو النبيّ المعهود الذي أخبر عنه موسى عليهالسلام ، فظهر منه أن علامات هؤلاء الأنبياء الثلاثة لم تكن مصرّحة في كتبهم بحيث لا يبقى الاشتباه للخواص فضلا عن العوام. فلذلك سألوا أولا أنت المسيح؟ فبعد ما أنكر يحيى عليهالسلام عن كونه مسيحا ، سألوه أنت إيليا؟ فبعد ما أنكر عن كونه إيلياء أيضا ، سألوه أنت النبيّ المعهود؟ ولو كانت العلامات مصرّحه لما كان للشك محل ، بل ظهر منه أن يحيى عليهالسلام لم يعرف نفسه أنه إيلياء حتى أنكر ، فقال لست أنا. وقد شهد عيسى أنه إيلياء في الباب الحادي عشر من إنجيل متّى قول عيسى عليهالسلام في حق يحيى عليهالسلام هكذا : «وإن أردتم أن تقبلوا فهذا هو إيلياء المزمع أن يأتي» وفي الباب السابع عشر من إنجيل متّى هكذا : «١٠ وسأله تلاميذه قائلين فلما ذا يقول الكتبة ان إيلياء ينبغي أن يأتي أولا ١١ فأجاب يسوع وقال لهم أن إيلياء يأتي أولا ويرد كل شيء ١٢ ولكني أقول لكم ان إيلياء قد جاء ولم يعرفوه ، بل عملوا به كل ما أرادوا. كذلك ابن الإنسان أيضا فسوف يتألم منهم ١٣ حينئذ فهم التلاميذ أنه قال لهم عن يوحنا المعمدان». وظهر من العبارة الأخيرة أن علماء اليهود لم يعرفوه بأنه إيلياء وفعلوا به ما