فعلوا ، وأن الحواريين أيضا لم يعرفوه بأنه إيلياء ، مع أنهم كانوا أنبياء في زعم المسيحيين وأعظم رتبة من موسى عليهالسلام ، كانوا اعتمدوا من يحيى ورأوه مرارا ، وكان مجيئه ضروريا قبل إلههم ومسيحهم. وفي الآية ٣٣ من الباب الأول من إنجيل يوحنا قول يحيى هكذا : «وأنا لم أكن أعرفه ، لكن الذي أرسلني لأعمد بالماء ذاك قال لي الذي ترى الروح نازلا ومستقرا عليه ، فهذا هو الذي يعمد بالروح القدس» ومعنى قوله (وأنا لم أكن أعرفه) على زعم القسيسين ، أنا لم أكن أعرفه معرفة جيدة بأنه المسيح الموعود به. فعلم أن يحيى عليهالسلام ما كان يعرف عيسى عليهالسلام معرفة يقينية بأن المسيح الموعود به إلى ثلاثين سنة ما لم ينزل الروح القدس ، لعلّ كون ولادة المسيح من العذراء لم يكن من العلامات المختصة بالمسيح ، وإلا فكيف يصح هذا؟ لكني أقطع النظر عن هذا وأقول أن يحيى أشرف الأنبياء الإسرائيلية بشهادة عيسى عليهالسلام ، كما هو مصرّح به في الباب الحادي عشر من إنجيل متّى ، وأن عيسى عليهالسلام إلهه وربه على زعم المسيحيين ، وكان مجيئه ضروريا قبل المسيح. وكان كونه إيلياء يقينيا ، فإذا لم يعرف هذا النبيّ الأشرف نفسه إلى آخر العمر ولم يعرف إلهه وربه إلى المدة المذكورة ، وكذا لم يعرف الحواريون الذين هم أفضل من موسى وسائر الأنبياء الإسرائيلية مدة حياة يحيى أنه إيلياء ، فما ذا رتبة العلماء والعوام عندهم في معرفة النبيّ اللاحق بخبر النبيّ المتقدم عنه وترددهم فيه؟ وقيافا رئيس الكهنة كان نبيا على شهادة يوحنا ، كما هو مصرّح به في الآية الحادية والخمسين من الباب الحادي عشر من إنجيله ، وهو أفتى بقتل عيسى عليهالسلام وكفّره وأهانه ، كما هو مصرّح به في الباب السابع والعشرين من إنجيل متّى. ولو كانت علامات المسيح في كتبهم مصرّحة بحيث لا يبقى الاشتباه على أحد ، ما كان مجال لهذا النبيّ ، المفتي بقتل إلهه وبكفره ، أن يفتي بقتله وكفره. ونقل متّى ولوقا في الباب الثالث ومرقس ويوحنا في الباب الأول من أناجيلهم خبر أشعيا في حق يحيى عليهماالسلام ، وأقر يحيى عليهالسلام بأن هذا الخبر في حقه على ما صرّح به يوحنا. وهذا الخبر في الآية الثالثة من الباب الأربعين من كتاب أشعيا هكذا : «صوت المنادي في البرية سهلوا طريق الرب أصلحوا في البوادي سبيلا لإلهنا». ولم يذكر فيه شيء من الحالات المختصة بيحيى عليهالسلام ، لا من صفاته ولا من زمان خروجه ، ولا مكان خروجه ، بحيث لا يبقى الاشتباه. ولو لم يكن ادعاء يحيى عليهالسلام بأن هذا الخبر من حقه ، كذا ادعاء مؤلفي العهد الجديد ، لما ظهر هذا للعلماء المسيحية وخواصهم فضلا عن العوام. لأن وصف النداء في البرية هم أكثر الأنبياء الإسرائيلية الذين جاءوا من بعد أشعيا عليهالسلام ، بل يصدق على عيسى عليهالسلام أيضا لأنه كان ينادي مثل نداء يحيى عليهالسلام «توبوا لأنه قد اقترب ملكوت السماء». وسيظهر لك في الأمر السادس حال الاخبارات التي