نقلها الإنجيليون في حق عيسى عليهالسلام عن الأنبياء المتقدمين عليهمالسلام. ولا ندّعي أن الأنبياء الذين أخبروا عن محمد صلىاللهعليهوسلم كان إخبار كل منهم بصفته مفصلا ، بحيث لا يكون فيه مجال التأويل للمعاند. قال الإمام الفخر الرازي في ذيل تفسير قوله تعالى : (وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) [البقرة : ٤٢] : «واعلم أن الأظهر في الباء في قوله بالباطل أنها باء الاستعانة كالتي في قولك كتبت بالقلم. والمعنى لا تلبسوا الحق بسبب الشبهات التي توردونها على السامعين. وذلك لأن النصوص الواردة في التوراة والإنجيل في أمر محمد عليهالسلام كان نصوصا خفية تحتاج في معرفتها إلى الاستدلال. ثم أنهم كانوا يجادلون فيها ويشوّشون وجه الدلالة على المتأملين فيها بسبب إلقاء الشبهات». انتهى كلامه بلفظه. قال المحقق عبد الحكيم السيالكوتي في حاشيته على البيضاوي : «هذا فصل يحتاج إلى مزيد شرح ، وهو يجب أن يتصوّر أن كل نبيّ أتى بلفظة معرضة وإشارة مدرجة لا يعرفها إلا الراسخون في العلم ، وذلك لحكمة إلهية. وقد قال العلماء ما انفك كتاب منزّل من السماء من تضمن ذكر النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، لكن بإشارات. ولو كان منجليا للعوام لما عوتب علماؤهم في كتمانه. ثم ازداد ذلك غموضا بنقله من لسان إلى لسان من العبراني إلى السرياني ، ومن السرياني إلى العربي وقد ذكرت محصلة ألفاظ من التوراة والإنجيل إذا اعتبرتها وجدتها دالة على صحة نبوّته عليهالسلام بتعريض هو عند الراسخين في العلم جلي ، وعند العامة خفي». انتهى كلامه بلفظه.
الأمر الثالث : ادعاء أن أهل الكتاب ما كانوا ينتظرون نبيا آخر غير المسيح وإيلياء ، ادعاء باطل لا أصل له. بل كانوا منتظرين لغيرهما أيضا ، لما علمت في الأمر الثاني أن علماء اليهود المعاصرين لعيسى عليهالسلام سألوا يحيى عليهالسلام أولا : أنت المسيح؟ ولما أنكر سألوه : أنت إيلياء؟ ولما أنكر سألوه : أنت النبيّ أي النبيّ المعهود الذي أخبر به موسى؟ فعلم أن هذا النبيّ كان منتظرا مثل المسيح وإيلياء ، وكان مشهورا بحيث ما كان محتاجا إلى ذكر الاسم بل الإشارة إليه كانت كافية. وفي الباب السابع من إنجيل يوحنا بعد نقل قول عيسى عليهالسلام هكذا : «٤٠ فكثيرون من الجمع لما سمعوا هذا الكلام قالوا هذا بالحقيقة هو النبيّ ٤١ وآخرون قالوا هذا هو المسيح». وظهر من هذا الكلام أيضا أن النبيّ المعهود عندهم كان غير المسيح ، ولذلك قابلوا بالمسيح.
الأمر الرابع : ادعاء أن المسيح خاتم النبيّين ولا نبي بعده باطل. لما عرفت في الأمر الثالث أنهم كانوا منتظرين للنبيّ المعهود الآخر الذي يكون غير المسيح وإيلياء عليهمالسلام ولما لم يثبت بالبرهان مجيئه قبل المسيح ، فهو بعده. ولأنهم يعترفون بنبوّة الحواريين وبولس ، بل بنبوّة غيرهم أيضا. وفي الباب الحادي عشر من كتاب الأعمال هكذا : «٢٧ في