ينتظرون نبيّا آخر مبشّرا به في هذا الباب ، وكان هذا المبشّر به عندهم غير المسيح. فلا يكون هذا المبشّر به يوشع ولا عيسى عليهماالسلام.
والوجه الثاني : انه وقع في هذه البشارة لفظ (مثلك) ويوشع وعيسى عليهماالسلام لا يصح أن يكونا مثل موسى عليهالسلام. أما أولا فلأنهما من بني إسرائيل ولا يجوز أن يقوم أحد من بني إسرائيل مثل موسى ، كما تدلّ عليه الآية العاشرة من الباب الرابع والثلاثين من سفر الاستثناء وهي هكذا : «٥ ولم يقم بعد ذلك في بني إسرائيل مثل موسى يوفه الرب وجها لوجه». فإن قام أحد مثل موسى بعده من بني إسرائيل يلزم تكذيب هذا القول. وأما ثانيا فلأنه لا مماثلة بين يوشع وبين موسى عليهماالسلام ، لأن موسى عليهالسلام صاحب كتاب وشريعة جديدة مشتملة على أوامر ونواهي ، ويوشع ليس كذلك ، بل هو متبع لشريعته. وكذا لا توجد المماثلة التامة بين موسى وعيسى عليهماالسلام ، لأن عيسى عليهالسلام كان آلها وربا على زعم النصارى ، وموسى عليهالسلام كان عبدا له. وأن عيسى عليهالسلام على زعمهم صار ملعونا لشفاعة الخلق ، كما صرّح به بولس في الباب الثالث من رسالته إلى أهل غلاطية ، وموسى عليهالسلام ما صار ملعونا لشفاعتهم. وأن عيسى عليهالسلام دخل الجحيم بعد موته ، كما هو مصرّح به في عقائد أهل التثليث ، وموسى عليهالسلام ما دخل الجحيم. وأن عيسى عليهالسلام صلب على زعم النصارى ليكون كفارة لأمته ، وموسى عليهالسلام ما صار كفارة لأمته بالصلب. وأن شريعة موسى مشتملة على الحدود والتعزيرات وأحكام الغسل والطهارات والمحرمات من المأكولات والمشروبات بخلاف شريعة عيسى عليهالسلام فإنها فارغة عنها على ما يشهد به هذا الإنجيل المتداول بينهم. وأن موسى عليهالسلام كان رئيسا مطاعا في قومه نفاذا لأوامره ونواهيه وعيسى عليهالسلام لم يكن كذلك.
الوجه الثالث انه وقع في هذه البشارة لفظ (من بين اخوتهم) ولا شك أن الأسباط الاثني عشر كانوا موجودين في ذلك الوقت مع موسى عليهالسلام حاضرين عنده. فلو كان المقصود كون النبيّ المبشّر به منهم قال (منهم) لا (من بين اخوتهم) لأن الاستعمال الحقيقي لهذا اللفظ أن لا يكون المبشّر به له علاقة الصلبية والبطنية ببني إسرائيل ، كما جاء لفظ الاخوة بهذا الاستعمال الحقيقي في وعد الله هاجر في حق إسماعيل عليهالسلام في الآية الثانية عشر من الباب السادس عشر من سفر التكوين وعبارتها في الترجمة العربية المطبوعة سنة ١٨٤٤ هكذا : «وقبالة جميع اخوته ينصب المضارب». وفي الترجمة العربية المطبوعة سنة ١٨١١ هكذا : «بحضرة جميع اخوته يسكن». وجاء بهذا الاستعمال أيضا في الآية الثامنة عشر من الباب الخامس والعشرين من سفر التكوين في حق إسماعيل في الترجمة العربية المطبوعة سنة