الذي ينفخ في النار جمرا ، وهو القتول الذي خلق لإهلاك المشركين وحصل لها السعة بواسطة هذا النبيّ ، وما حصل لغيرها من المعابد في الدنيا ، إذ لا يوجد في الدنيا معبد مثل الكعبة من ظهور محمد صلىاللهعليهوسلم إلى هذا الحين. والتعظيم الذي يحصل لها من القرابين في كل سنة من مدة ألف ومائتين وثمانين لم يحصل لبيت المقدس إلا مرتين ، مرة في عهد سليمان عليهالسلام ، لما فرغ من بنائه ، ومرة في السنة الثامنة عشر من سلطنة يوشيا. ويبقى هذا التعظيم لمكة إلى آخر الدهر إن شاء الله ، كما وعد الله بقوله لا تخافي لأنك لا تخزين ولا تخجلين لأنك لا تستحين ، وبقوله برحمات عظيمة أجمعك وبالرحمة الأبدية رحمتك ، وبقوله حلفت أن لا أغضب عليك وأن لا أوبّخك ، وبقوله رحمتي لا تزول عنك وعهد سلامي لا يتحرك. وملك زرعها شرقا وغربا ، وورثوا الأمم وعمروا المدن في مدة قليلة لا تتجاوز اثنين وعشرين سنة من الهجرة. ومثل هذه الغلبة في مثل هذه المدة القليلة لم يسمع من عهد آدم عليهالسلام إلى زمان محمد صلىاللهعليهوسلم لمن يدّعي الدين الجديد. وهذا مفاد قول الله وزرعك يرث الأمم ويعمر المدن الخربة. سلاطين الإسلام سلفا وخلفا اجتهدوا اجتهادا تاما في بناء الكعبة والمسجد الحرام وتزيينهما وحفر الآبار والبرك والعيون في مكة ونواحيها ، ومن المدة الممتدة هذه الخدمة الجليلة متعلقة بسلاطين آل عثمان غفر الله لأسلافهم ورضي الله عنهم. وزاد الله إقبال أخلافهم ووسع مملكتهم في الجهات ، ووفقهم للعدل والحسنات ، فهم خدموا ويخدمون الحرمين المعظمين أدام الله شرفهما من هذه المدة إلى هذا الحين ، كما هي حتى صار لقب خادم الحرمين الشريفين عندهم أشرف الألقاب وأعزها ، والغرباء يحبون مجاورتها من ظهور الإسلام إلى هذا الحين ، سيما في هذا الزمان وألوف من الناس يصلون إليها في كل سنة من أقاليم مختلفة وديار بعيدة. ووفى بما وعد بقوله كل إناء مجبول بضدك لا ينجح ، لأن كل شخص من المخالف قام بضدها أذلّة الله ، كما وقع بأصحاب الفيل. روي أن أبرهة بن الصباح الأشرم لما ملك اليمن من قبل أصحمة النجاشي بني كنيسة بصنعاء وسماها القليس ، وأراد أن يصرف إليها الحاج وحلف أن يهدم الكعبة. فخرج بالحبشة ومعه فيل له اسمه محمود ، وكان قويا عظيما وأفيال أخرى. فخرج إليه عبد المطلب وعرض عليه ثلث أموال تهامة ليرجع ، فأبى وعبأ جيشه وقدم الفيل. فكانوا كلما وجهوه إلى الحرم برك ولم يبرح ، وإذا وجهوه إلى اليمن أو إلى غيره من الجهات هرول. فأرسل الله طيرا مع كل طائر حجر في منقاره وحجران في رجليه أكبر من العدسة وأصغر من الحمصة ، فكان الحجر يقع على رأس الرجل فيخرج من دبره ، وعلى كل حجر اسم من يقع عليه. ففروا وهلكوا في كل طريق ومنهل ، ودوى أبرهة فتساقطت أنامله وآرابه ، وما مات حتى انصدع صدره عن قلبه ، وانفلت وزيره أبو يكسوم وطائر يحلق فوقه حتى بلغ النجاشي فقص عليه القصة ، فلما أتمها وقع عليه الحجر