الروايات ، وعلم من وقوع الغلط من الأنبياء الثلاثة أن الأنبياء كما أنهم ليسوا بمعصومين عن صدور الكبائر عند أهل الكتاب ، فكذلك ليسوا بمعصومين عن الخطأ في التحرير والتبليغ وستعرف هذه الأمور في الشاهد السادس عشر من المقصد الأول من الباب الثاني.
الأمر الثالث : من قابل الباب الخامس والأربعين والسادس والأربعين من كتاب حزقيال بالباب الثامن والعشرين والتاسع والعشرين من سفر العدد ، وجد تخالفا صريحا في الأحكام. وظاهر أن حزقيال عليهالسلام كان متّبع التوراة فلو كان التوراة في زمانه مثل هذا التوراة المشهور ، لما خالفه في الأحكام. وكذلك وقع في التوراة ، في مواضع عديدة ، أن الأبناء تؤخذ بذنوب الآباء إلى ثلاثة أجيال ، ووقع في الآية العشرين من الباب الثامن عشر من كتاب حزقيال «النفس التي تخطىء فهي تموت ، والابن لا يحمل إثم الأب ، والأب لا يحمل إثم الابن ، وعدل العادل يكون عليه ونفاق المنافق يكون عليه». فعلم من هذه الآية أن أحدا لا يؤخذ بذنب غيره وهو الحق ، كما وقع في التنزيل (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) [فاطر : ١٨].
الأمر الرابع : من طالع الزبور وكتاب نحميا وكتاب أرميا وكتاب حزقيال ، جزم يقينا أن طريق التصنيف في سالف الأزمان كان مثل الطريق المروج الآن في أهل الإسلام ، بأن المصنّف لو كان يكتب حالات نفسه والمعاملات التي رآها بعينيه كان يكتب بحيث يظهر لناظر كتابه أنه كتب حالات نفسه والمعاملات التي رآها. وهذا الأمر لا يظهر من موضوع من مواضيع التوراة ، بل تشهد عبارته أن كاتبه غير موسى ، وهذا الغير جمع هذا الكتاب من الروايات والقصص المشتهرة فيما بين اليهود ، ميّز بين هذه الأقوال بأن ما كان في زعمه قول الله أو قول موسى أدرجه تحت (قال الله) أو (قال موسى) وعبّر عن موسى في جميع المواضع بصيغة الغائب. ولو كان التوراة من تصنيفاته لكان عبّر عن نفسه بصيغة المتكلم ، ولا أقلّ من أن يعبّر في موضع من المواضع ، لأن التعبير بصيغة المتكلم يقتضي زيادة الاعتبار. والذي يشهد له الظاهر مقبول ما لم يقم على خلافه دليل قوي ، ومن ادّعى خلاف الظاهر فعليه البيان.
الأمر الخامس : لا يقدر أحد أن يدّعي ، بالنسبة إلى بعض الفقرات وبعض الأبواب ، أنها من كلام موسى ، بل بعض الفقرات تدلّ دلالة بيّنة أن مؤلّف هذا الكتاب لا يمكن أن يكون قبل داود عليهالسلام ، بل يكون إمّا معاصرا له أو بعده. وستعرف هذه الفقرات والباب في المقصد الثاني من الباب الثاني مفصّلا إن شاء الله. والعلماء المسيحية يقولون بالظن ورجما بالغيب إنها من ملحقات نبيّ من الأنبياء. وهذا القول مردود لأنه مجرد ادّعائهم بلا