المتصل ، فما قدروا عليه ، واعتذر بعض القسّيسين في محفل المناظرة التي كانت بيني وبينهم ، فقال : إن سبب فقدان السند عندنا وقوع المصائب والفتن على المسيحيين إلى مدّة ثلاثمائة وثلاث عشرة سنة. وتفحّصنا في كتب الإسناد لهم ، فما رأينا فيها شيئا غير الظن والتخمين. يقولون بالظن ويتمسكون ببعض القرائن ، وقد قلت : إن الظن في هذا الباب لا يغني شيئا. فما داموا لم يأتوا بدليل شاف وسند متّصل ، فمجرد المنع يكفينا ، وإيراد الدليل في ذمّتهم لا في ذمّتنا. لكن على سبيل التبرّع أتكلم في هذا الباب. ولمّا كان التكلّم على سند كل كتاب مفضيا إلى التطويل الممل ، فلا نتكلم إلّا على سند بعض من تلك الكتب. فأقول وبالله التوفيق : إنه لا سند لكون هذا التوراة المنسوب إلى موسى عليهالسلام من تصنيفاته. ويدلّ عليه أمور :
الأمر الأول : ستعرف ، إن شاء الله في الباب الثاني في جواب المغالطة الرابعة في بيان الأمر الأول والثاني والثالث في الأمور التي يزول بها استبعاد وقوع التحريف في كتبهم ، أن تواتر هذا التوراة منقطع قبل زمان يوشيا بن آمون. والنسخة التي وجدت بعد ثماني عشرة سنة من جلوسه على سرير السلطنة لا اعتماد عليها يقينا ، ومع كونها غير معتمدة ضاعت هذه النسخة أيضا غالبا قبل حادثة بخت نصّر. وفي حادثته انعدم التوراة وسائر كتب العهد العتيق عن صفحة العالم رأسا. ولمّا كتب عزرا هذه الكتب على زعمهم ضاعت نسخها وأكثر نقولها في حادثة أنتيكوس.
الأمر الثاني : جمهور أهل الكتاب يقولون إن السفر الأول والثاني من أخبار الأيام صنّفها عزرا ، عليهالسلام ، بإعانة حجى وزكريا الرسولين عليهماالسلام. فهذان الكتابان في الحقيقة من تصنيف هؤلاء الأنبياء الثلاثة. وتناقض كلامهم في الباب السابع والثامن من السفر الأوّل في بيان أولاد بنيامين. وكذا خالفوا في هذا البيان هذا التوراة المشهور بوجهين : الأوّل في الأسماء والثاني في العدد ، حيث يفهم من الباب السابع أن أبناء بنيامين ثلاثة ، ومن الباب الثامن أنهم خمسة ، ومن التوراة أنهم عشرة. واتفق علماء أهل الكتاب أن ما وقع في السفر الأول غلط ، وبيّنوا سبب وقوع الغلط أن عزرا ما حصل له التمييز بين الأبناء وأبناء الأبناء ، وأن أوراق النسب التي نقل عنها كانت ناقصة. وظاهر أن هؤلاء الأنبياء الثلاثة كانوا متّبعين للتوراة ، فلو كان توراة موسى هو هذا التوراة المشهور لما خالفوه ، ولما وقعوا في الغلط ، ولما أمكن لعزرا أن يترك التوراة ويعتمد على الأوراق الناقصة. وكذا لو كان التوراة الذي كتبه عزرا مرة أخرى بالإلهام على زعمهم هو هذا التوراة المشهور ، لما خالفه. فعلم أن التوراة المشهور ليس التوراة الذي صنّفه موسى ، ولا الذي كتبه عزرا ، بل الحقّ أنه مجموع من الروايات والقصص المشتهرة بين اليهود ، وجمعها أحبارهم في هذا المجموع بلا تنقيد