فقالوا : يا أبا القاسم بل نرجع ، فننظر في أمرنا ثم نأتيك. فلما رجعوا قالوا للعاقب ، وكان ذا رأيهم : ما ترى؟ فقال : والله لقد عرفتم نبوّته ، وقد جاءكم بالفصل في أمر صاحبكم والله ما باهل قوم نبيا إلا هلكوا ، وإن أبيتم إلا ألف دينكم فوادعوا الرجل وانصرفوا. فأتوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم وقد غدا محتضنا الحسين وآخذا بيد الحسن وفاطمة تمشي خلفه وعلي رضي الله عنه خلفها وهو يقول : إذا أنا دعوت فآمنوا. فقال أسقفهم : يا معشر النصارى إني لأرى وجوها لو سألوا الله أن يزيل جبلا من مكانه لأزاله فلا تباهلوا فتهلكوا. فأذعنوا لرسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وبذلوا له الجزية ألفي حلة حمراء وثلاثين درعا من حديد. فقال عليه الصلاة والسلام لو باهلوا لمسخوا قردة وخنازير ، ولاضطرم عليهم الوادي نارا ، ولاستأصل الله نجران وأهله حتى الطير على الشجر. وهذه الواقعة دلت على نبوّته بوجهين : الأول ، انه عليه الصلاة والسلام خوّفهما بنزول العذاب عليهم. ولو لم يكن واثقا بذلك لكان ذلك منه سعيا في إظهار كذب نفسه. لأنه لو باهل ولم ينزل العذاب ظهر كذبه. ومعلوم أنه كان من أعقل الناس فلا يليق به أن يعمل عملا يفضي إلى ظهور كذبه. فلما أصرّ على ذلك علمنا أنه إنما أصرّ عليه لكونه واثقا بوعد الله. والثاني ، ان القوم كانوا يبذلون النفوس والأموال في المنازعة مع الرسول صلىاللهعليهوسلم. فلو لم يعرفوا أنه نبيّ لما تركوا مباهلته.