الأمر الأول : إن تزوج أكثر من امرأة واحدة كان جائزا في الشرائع السابقة ، لأن إبراهيم عليهالسلام تزوج بسارة ثم بهاجر في حياة سارة وهو كان خليل الله ، وكان الله يوحي إليه ويرشده إلى أمور الخير. فلو لم يكن النكاح الثاني جائزا لما أبقاه عليه ، بل أمره بفسخه وحرمته. ولأن يعقوب عليهالسلام تزوج بأربع نسوة ليا وراحيل وبلها وزلفا فالأوليان منهما أختان ابنتا لابان خاله ، والأخريان جاريتان ، والجمع بين الأختين حرام قطعي في شريعة موسى عليهالسلام ، كما علمت في الباب الثالث. فلو كان التزوج بأكثر من امرأة واحدة حراما لزم أن يكون أولاده من تلك الأزواج أولاد حرام ، والعياذ بالله ، وكان الله يوحي إليه ويرشده إلى أمور الخير. فكيف يتصور أن يرشده في أمور خسيسة ولا يرشده في هذا الأمر العظيم؟ فإبقاء الله يعقوب عليهالسلام على نكاح تلك الأربعة ، سيما الأختين ، دليل بيّن على جواز مثل هذا التزوج في شريعته. ولأن جدعون بن يواش تزوج نساء كثيرة ، في الباب الثامن من سفر القضاة هكذا : «٣٠ وكان له سبعون ابنا خرجوا من صلبه ، لأن كانت له نساء كثيرة ٣١ وسريته التي كانت له في شخيم ولدت له ابنا اسمه ابيمالك». ونبوّته ظاهرة في الباب السادس والسابع من السفر المذكور ، ومن الباب الحادي عشر من الرسالة العبرانية. ولأن داود عليهالسلام تزوج نساء كثيرة تزوج أولا ميخال بنت شاوول ، وكان بدل المهر مائة غلفة من غلف الفلسطينيين ، وأعطاه داود عليهالسلام مائتي غلفة من غلفهم ، فأعطى شاوول داود عليهالسلام ابنته ميخال. الآية السابعة والعشرون من الباب الثامن عشر من سفر صموئيل الأول هكذا : «فمضت أيام قليلة وقام داود عليهالسلام وانطلق هو ورجاله وقتل من الفلسطينيين مائتي رجل وأتى داود عليهالسلام بغلفهم إلى الملك ودفعها للملك بالتمام ليكون له ختنا فأعطى شاوول ميخال ابنته له امرأة». والملاحدة يستهزءون بهذا البدل من المهر ويقولون : أكان شاوول يريد أن يسوي من هذه الغلف حميلا ويعطيه بنته في الجهاز ، أم كان غرضه شيئا آخر. لكني أقطع النظر عن استهزائهم وأقول : لما بغى داود عليهالسلام على شاوول ، أعطى شاوول ميخال فلطي بن ليس الذي هو من جليم ، كما هو مصرّح به في آخر الباب الخامس والعشرين من السفر المذكور ، وتزوج داود عليهالسلام بست نساء أخرى حينعام الأزرعايلية ، بيغال ، ومعكا ابنة تلمي ملك جاشور ، وحجيت ، وأبيطل ، وعجلا ، كما هو مصرّح به في الباب الثالث من سفر صموئيل الثاني. ومع كون هذه الست ما زالت محبة ميخال عن قلبه الشريف وإن كانت في فراش الغير. فلذلك لما قتل شاوول طلب داود من اسباسوت بن شاوول زوجته ميخال ، وقال له : ردّ عليّ امرأتي ميخال التي خطبتها بمائة غلفة من غلف أهل فلسطين. فأخذها اسباسوت قهرا من فلطي بن ليس وأرسلها إلى داود. فجاء هذا فلطي باكيا خلفها إلى بحوريم ، ثم رجع ، كما هو مصرّح به في الباب المذكور فبعد ما وصلت ميخال إلى