تربت جبينه» (١) وقال ابن أبي حاتم : حدثنا ابن أبي عمر ، حدثنا سفيان عن زائدة عن منصور عن إبراهيم قال : كان المؤمنون يكرهون أن يستذلوا وكانوا إذا قدروا عفوا.
وقوله عزوجل : (وَالَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمْ) أي اتبعوا رسله وأطاعوا أمره واجتنبوا زجره (وَأَقامُوا الصَّلاةَ) وهي أعظم العبادات لله عزوجل (وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ) أي لا يبرمون أمرا حتى يتشاوروا فيه ليتساعدوا بآرائهم في مثل الحروب وما جرى مجراها كما قال تبارك وتعالى : (وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ) [آل عمران : ١٥٩] الآية ولهذا كانعليهالسلام يشاورهم في الحروب ونحوها ليطيب بذلك قلوبهم وهكذا لما حضرت عمر بن الخطاب رضي الله عنه الوفاة حين طعن جعل الأمر بعده شورى في ستة نفر وهم عثمان وعلي وطلحة والزبير وسعد وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهم أجمعين فاجتمع رأي الصحابة كلهم رضي الله عنهم على تقديم عثمان عليهم رضي الله عنهم (وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ) وذلك بالإحسان إلى خلق الله الأقرب إليهم منهم فالأقرب.
وقوله عزوجل : (وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ) أي فيهم قوة الانتصار ممن ظلمهم واعتدى عليهم ليسوا بالعاجزين ولا الأذلين بل يقدرون على الانتقام ممن بغى عليهم وإن كانوا مع هذا إذا قدروا عفوا كما قال يوسف عليه الصلاة والسلام لإخوته : (لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ) [يوسف : ٩٢] مع قدرته على مؤاخذتهم ومقابلتهم على صنيعهم إليه وكما عفا رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن أولئك النفر الثمانين الذين قصدوه عام الحديبية ونزلوا من جبل التنعيم فلما قدر عليهم منّ عليهم مع قدرته على الانتقام وكذلك عفوه صلىاللهعليهوسلم عن غورث بن الحارث الذي أراد الفتك به حين اخترط سيفه وهو نائم فاستيقظ عليهالسلام وهو في يده مصلتا فانتهره فوضعه من يده وأخذ رسول الله صلىاللهعليهوسلم السيف من يده ودعا أصحابه ثم أعلمهم بما كان من أمره وأمر هذا الرجل وعفا عنه (٢).
وكذلك عفا صلىاللهعليهوسلم عن لبيد بن الأعصم الذي سحره عليهالسلام ومع هذا لم يعرض له ولا عاتبه مع قدرته عليه وكذلك عفوه صلىاللهعليهوسلم عن المرأة اليهودية ـ وهي زينب أخت مرحب اليهودي الخيبري الذي قتله محمود بن مسلمة ـ التي سمت الذراع يوم خيبر ـ فأخبره الذراع بذلك فدعاها فاعترفت فقال صلىاللهعليهوسلم : «ما حملك على ذلك؟» قالت : أردت إن كنت نبيا لم يضرك وإن لم تكن نبيا استرحنا منك (٣) فأطلقها عليه الصلاة والسلام ولكن لما مات منه بشر بن البراء
__________________
(١) أخرجه البخاري في الأدب باب ٣٨ ، وأحمد في المسند ٣ / ١٢٦ ، ١٤٤ ، ١٥٨.
(٢) أخرجه البخاري في المغازي باب غزوة ذات الرقاع.
(٣) أخرجه أبو داود في الديات باب ٦.