نصيبين ، وهذا صحيح ، ولكن قوله إن الجن كان استماعهم تلك الليلة فيه نظر ، لأن الجن كان استماعهم في ابتداء الإيحاء كما دل عليه حديث ابن عباس رضي الله عنهما المذكور ، وخروجهصلىاللهعليهوسلم إلى الطائف كان بعد موت عمه ، وذلك قبل الهجرة بسنة أو سنتين كما قرره ابن إسحاق وغيره ، والله أعلم ، وقال أبو بكر بن أبي شيبة : حدثنا أبو أحمد الزبيري ، حدثنا سفيان عن عاصم عن زر عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : هبطوا على النبي صلىاللهعليهوسلم وهو يقرأ القرآن ببطن نخلة (فَلَمَّا حَضَرُوهُ قالُوا أَنْصِتُوا) قال صه ، وكانوا تسعة وأحدهم زوبعة ، فأنزل الله عزوجل : (وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ) ـ إلى ـ (ضَلالٍ مُبِينٍ) فهذا مع الأول من رواية ابن عباس رضي الله عنهما يقتضي أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم لم يشعر بحضورهم في هذه المرة ، وإنما استمعوا قراءته ثم رجعوا إلى قومهم ، ثم بعد ذلك وفدوا إليه إرسالا قوما بعد قوم وفوجا بعد فوج ، كما ستأتي بذلك الأخبار في موضعها والآثار مما سنوردها إن شاء الله تعالى وبه الثقة.
فأما ما رواه البخاري ومسلم جميعا عن أبي قدامة عبيد الله بن سعيد السرخسي ، عن أبي أسامة حماد بن أسامة عن مسعر بن كدام ، عن معن بن عبد الرحمن ، قال : سمعت أبي يقول : سألت مسروقا من آذن النبي صلىاللهعليهوسلم ليلة استمعوا القرآن؟ فقال : حدثني أبوك يعني ابن مسعود رضي الله عنه أنه آذنته بهم شجرة (١) ، فيحتمل أن يكون هذا في المرة الأولى ويكون إثباتا مقدما على نفي ابن عباس رضي الله عنهما ، ويحتمل أن يكون هذا في بعض المرات المتأخرات والله أعلم ويحتمل أن يكون في المرة الأولى ، ولكن لم يشعر بهم حال استماعهم حتى آذنته بهم الشجرة أي أعلمته باستماعهم ، والله أعلم.
قال الحافظ البيهقي : وهذا الذي حكاه ابن عباس رضي الله عنهما إنما هو أول ما سمعت الجن قراءة رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وعلمت حاله ، وفي ذلك الوقت لم يقرأ عليهم ولم يرهم ، ثم بعد ذلك أتاه داعي الجن فقرأ عليهم القرآن ودعاهم إلى الله عزوجل كما رواه عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
[ذكر الروايات عنه بذلك]
قال الإمام أحمد (٢) : حدثنا إسماعيل بن إبراهيم ، حدثنا داود عن الشعبي وابن أبي زائدة ، أخبرنا داود عن الشعبي عن علقمة قال : قلت لعبد الله بن مسعود رضي الله عنه : هل صحب رسول الله صلىاللهعليهوسلم ليلة الجن منكم أحد؟ فقال : ما صحبه منا أحد ولكنا فقدناه ذات ليلة بمكة
__________________
(١) أخرجه البخاري في مناقب الأنصار باب ٣٢ ، ومسلم في الصلاة حديث ١٥٣.
(٢) المسند ١ / ٤٣٦.