اصبر أبا جندل فإنما هم المشركون وإنما دم أحدهم دم كلب ، قال : ويدني قائم السيف منه ، قال يقول : رجوت أن يأخذ السيف فيضرب به أباه. قال : فضن الرجل بأبيه ، قال ونفذت القضية ، فلما فرغا من الكتاب ، وكان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يصلي في الحرم وهو مضطرب في الحل ، قال : فقام رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : «يا أيها الناس انحروا واحلقوا» قال : فما قام أحد ، قال ثم عاد صلىاللهعليهوسلم بمثلها ، فما قام رجل ، حتى عاد صلىاللهعليهوسلم بمثلها فما قام رجل ، فرجع رسول الله صلىاللهعليهوسلم فدخل على أم سلمة رضي الله عنها فقال «يا أم سلمة ما شأن الناس؟» قالت : يا رسول الله قد دخلهم ما رأيت ، فلا تكلمن منهم إنسانا واعمد إلى هديك حيث كان فانحره واحلق ، فلو قد فعلت ذلك فعل الناس ذلك ، فخرج رسول الله صلىاللهعليهوسلم لا يكلم أحدا حتى إذا أتى هديه فنحره ثم جلس فحلق ، قال : فقام الناس ينحرون ويحلقون ، قال حتى إذا كان بين مكة والمدينة في وسط الطريق نزلت سورة الفتح.
هكذا ساقه أحمد من هذا الوجه ، وهكذا رواه يونس بن بكير وزياد البكائي عن ابن إسحاق (١) بنحوه وفيه إغراب.
وقد رواه أيضا عن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري به نحوه ، وخالفه في أشياء ، وقد رواه البخاري (٢) رحمهالله في صحيحه فساقه سياقة حسنة مطولة بزيادات جيدة ، فقال في كتاب الشروط من صحيحه : حدثنا عبد الله بن محمد ، حدثنا عبد الرزاق ، عن معمر ، أخبرني الزهري أخبرني عروة بن الزبير عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم ، يصدق كل واحد منهما حديث صاحبه ، قالا : خرج رسول الله صلىاللهعليهوسلم زمن الحديبية في بضع عشرة مائة من أصحابه.
فلما أتى ذا الحليفة قلد الهدي وأشعره (٣) وأحرم منها بعمرة ، وبعث عينا له من خزاعة وسار حتى إذا كان بغدير الأشطاط (٤) أتاه عينه فقال : إن قريشا قد جمعوا لك جموعا وقد جمعوا لك الأحابيش ، وهم مقاتلوك وصادوك ومانعوك. فقال صلىاللهعليهوسلم : «أشيروا أيها الناس علي ، أترون أن نميل على عيالهم وذراري هؤلاء الذين يريدون أن يصدونا عن البيت؟» وفي لفظ : «أترون أن نميل على ذراري هؤلاء الذين أعانوهم ، فإن يأتونا كان الله قد قطع عنقا من المشركين ، وإلا تركناهم محزونين» ، وفي لفظ «فإن قعدوا قعدوا موتورين مجهودين
__________________
(١) انظر سيرة ابن هشام ٢ / ٣١٦ ، ٣١٩.
(٢) كتاب المغازي باب ٣٥.
(٣) إشعار الهدي : أن يشق أحد جانبي سنام البدنة حتى يسيل دمها ، ويجعل ذلك علامة يعرف بها بأنها هدي ، وتقليد الهدي : أن يجعل في عنقها ما يعلم به أنها هدي.
(٤) غدير الأشطاط : موضع قريب من عسفان.