وقال ابن جرير (١) : حدثني ابن أبي الشوارب ، حدثنا عبد الواحد بن زياد ، حدثنا سليمان الشيباني ، حدثنا حسان بن المخارق أن امرأة دخلت على عائشة رضي الله عنها ، فلما قامت لتخرج أشارت عائشة رضي الله عنها بيدها إلى النبي صلىاللهعليهوسلم أي إنها قصيرة فقال النبي صلىاللهعليهوسلم «اغتبتها» والغيبة محرمة بالإجماع ، ولا يستثنى من ذلك إلا من رجحت مصلحته ، كما في الجرح والتعديل والنصيحة كقوله صلىاللهعليهوسلم ، لما استأذن عليه ذلك الرجل الفاجر : «ائذنوا له بئس أخو العشيرة!» (٢) وكقوله صلىاللهعليهوسلم لفاطمة بنت قيس رضي الله عنها ، وقد خطبها معاوية وأبو الجهم : «أما معاوية فصعلوك ، وأما أبو الجهم فلا يضع عصاه عن عاتقه» (٣) وكذا ما جرى مجرى ذلك ، ثم بقيتها على الترحيم الشديد ، وقد ورد فيها الزجر الأكيد ، ولهذا شبهها تبارك وتعالى بأكل اللحم من الإنسان الميت كما قال عزوجل : (أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ) [الحجرات : ١٢] أي كما تكرهون هذا طبعا فاكرهوه ذاك شرعا ، فإن عقوبته أشد من هذا ، وهذا من التنفير عنها والتحذير منها كما قال صلىاللهعليهوسلم في العائد في هبته : «كالكلب يقيء ثم يرجع في قيئه» (٤) وقد قال : «ليس لنا مثل السوء» (٥) وثبت في الصحاح والحسان والمسانيد من غير وجه أنه صلىاللهعليهوسلم قال في خطبة الوداع : «إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا» (٦).
وقال أبو داود : حدثنا واصل بن عبد الأعلى ، حدثنا أسباط بن محمد عن هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن أبي صالح عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «كل المسلم على المسلم حرام ماله وعرضه ودمه ، حسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم» (٧) ورواه الترمذي عن عبيد بن أسباط بن محمد عن أبيه به وقال : حسن غريب.
وحدثنا عثمان بن أبي شيبة : حدثنا الأسود بن عامر ، حدثنا أبو بكر بن عياش عن الأعمش
__________________
(١) تفسير الطبري ١١ / ٣٩٥.
(٢) أخرجه البخاري في الأدب باب ٤٨ ، وأبو داود في الأدب باب ٥.
(٣) أخرجه مسلم في الطلاق حديث ٣٦ ، وأبو داود في الطلاق باب ٣٩ ، والترمذي في النكاح باب ٣٨ ، والنسائي في النكاح باب ٢٢ ، ومالك في الطلاق باب ٦٧ ، وأحمد في المسند ٦ / ٤١٢.
(٤) أخرجه البخاري في الهبة باب ٣٠ ، ومسلم في الهبات حديث ٥ ، ٦ ، وأبو داود في البيوع باب ٨١ ، والنسائي في الهبة باب ٣ ، ٤ ، وابن ماجة في الصدقات باب ١.
(٥) أخرجه البخاري في الهبة باب ٣٠ ، والترمذي في البيوع باب ٦١.
(٦) أخرجه البخاري في العلم باب ٣٧ ، ومسلم في الحج حديث ٤٤٥ ، ٤٤٦ ، والترمذي في تفسير سورة ٩ باب ٢ ، وابن ماجة في الفتن
باب ٢ ، وأحمد في المسند ١ / ٢٣٠ ، ٣ / ٣١٣ ، ٣٧١ ، ٤٨٥ ، ٤ / ٧٦ ، ٥ / ٦٨.
(٧) أخرجه مسلم في البر حديث ٣٢ ، وأبو داود في الأدب باب ٣٥ ، والترمذي في البر باب ١٨ ، وابن ماجة في الزهد باب ٢٣ ، وأحمد في المسند ٣ / ٤٩١.