الحديث. قلت : فهذا الحديث ضعيف رفعه وأقرب ما فيه أنه موقوف على عمر رضي الله عنه ، فإن قصة صبيغ بن عسل مشهورة مع عمر رضي الله عنه ، وإنما ضربه لأنه ظهر له من أمره فيما يسأل تعنتا وعنادا ، والله أعلم. وقد ذكر الحافظ ابن عساكر هذه القصة في ترجمة صبيغ مطولة ، وهكذا فسرها ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم ، ومجاهد وسعيد بن جبير والحسن وقتادة والسدي وغير واحد ، ولم يحك ابن جرير وابن أبي حاتم غير ذلك ، وقد قيل إن المراد بالذاريات الريح كما تقدم ، وبالحاملات وقرا السحاب كما تقدم ، لأنها تحمل الماء كما قال زيد بن عمرو بن نفيل : [المتقارب]
وأسلمت نفسي لمن أسلمت |
|
له المزن تحمل عذبا زلالا (١) |
فأما الجاريات يسرا فالمشهور عن الجمهور كما تقدم أنها السفن ، تجري ميسرة في الماء جريا سهلا ، وقال بعضهم : هي النجوم تجري يسرا في أفلاكها ليكون ذلك ترقيا من الأدنى إلى الأعلى إلى ما هو أعلى منه ، فالرياح فوقها السحاب ، والنجوم فوق كذلك ، والمقسمات أمرا الملائكة فوق ذلك تنزل بأوامر الله الشرعية والكونية ، وهذا قسم من الله عزوجل على وقوع المعاد ، ولهذا قال تعالى : (إِنَّما تُوعَدُونَ لَصادِقٌ) أي لخبر صدق (وَإِنَّ الدِّينَ) وهو الحساب (لَواقِعٌ) أي لكائن لا محالة.
ثم قال تعالى : (وَالسَّماءِ ذاتِ الْحُبُكِ) قال ابن عباس رضي الله عنهما : ذات الجمال والبهاء والحسن والاستواء ، وكذا قال مجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير وأبو مالك وأبو صالح والسدي وقتادة وعطية العوفي والربيع بن أنس وغيرهم. وقال الضحاك والمنهال بن عمرو وغيرهما مثل تجعد الماء والرمل والزرع ، إذا ضربته الريح فينسج بعضه بعضا طرائق ، فذلك الحبك.
قال ابن جرير (٢) : حدثني يعقوب بن إبراهيم ، حدثنا ابن علية ، حدثنا أيوب عن أبي قلابة عن رجل من أصحاب النبي صلىاللهعليهوسلم عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «إن من ورائكم الكذاب المضل ، وإن رأسه من ورائه حبك حبك» يعني بالحبك الجعودة : وعن أبي صالح : (ذاتِ الْحُبُكِ) الشدة وقال خصيف : (ذاتِ الْحُبُكِ) ذات الصفاقة. وقال الحسن بن أبي الحسن البصري : ذات الحبك حبكت بالنجوم ، وقال قتادة عن سالم بن أبي الجعد عن معدان بن أبي طلحة عن عمرو البكالي عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما (وَالسَّماءِ ذاتِ الْحُبُكِ) يعني السماء السابعة ، وكأنه والله أعلم أراد بذلك السماء التي فيها الكواكب الثابتة ، وهي عند كثير من علماء الهيئة في الفلك الثامن الذي فوق السابع ، والله أعلم.
وكل هذه الأقوال ترجع إلى شيء واحد وهو الحسن والبهاء كما قال ابن عباس رضي الله عنهما ، فإنها من حسنها مرتفعة شفافة صفيقة شديدة البناء متسعة الأرجاء أنيقة البهاء ، مكللة
__________________
(١) البيت في سيرة ابن هشام ١ / ٢٣١.
(٢) تفسير الطبري ١١ / ٤٤٥.