عبد الرحمن بن غزوان ، حدثنا شريك عن سالم الأفطس عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ، أظنه عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «إذا دخل الرجل الجنة سأل عن أبويه وزوجته وولده ، فيقال إنهم لم يبلغوا درجتك ، فيقول : يا رب قد عملت لي ولهم فيؤمر بإلحاقهم به» وقرأ ابن عباس (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ) الآية.
وقال العوفي عن ابن عباس في هذه الآية يقول : والذين أدرك ذريتهم الإيمان فعملوا بطاعتي ألحقتهم بإيمانهم إلى الجنة ، وأولادهم الصغار تلحق بهم (١) ، وهذا راجع إلى التفسير الأول ، فإن ذاك مفسر أصرح من هذا ، وهكذا يقول الشعبي وسعيد بن جبير وإبراهيم وقتادة وأبو صالح والربيع بن أنس والضحاك وابن زيد ، وهو اختيار ابن جرير وقد قال عبد الله ابن الإمام أحمد : حدثنا عثمان بن أبي شيبة ، حدثنا محمد بن فضيل عن محمد بن عثمان عن زاذان عن علي قال : سألت خديجة النبي صلىاللهعليهوسلم عن ولدين ماتا لها في الجاهلية فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «هما في النار» فلما رأى الكراهية في وجهها قال : «لو رأيت مكانهما لأبغضتهما» قالت : يا رسول الله فولدي منك؟ قال : «في الجنة» قال : ثم قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إن المؤمنين وأولادهم في الجنة ، وإن المشركين وأولادهم في النار» ثم قرأ رسول الله صلىاللهعليهوسلم والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذرياتهم (٢) الآية.
هذا فضله تعالى على الأبناء ببركة عمل الآباء وأما فضله على الآباء ببركة دعاء الأبناء فقد قال الإمام أحمد (٣) : حدثنا يزيد ، حدثنا حماد بن سلمة عن عاصم بن أبي النجود عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إن الله ليرفع الدرجة للعبد الصالح في الجنة فيقول : يا رب أنى لي هذه؟ فيقول : باستغفار ولدك لك» (٤) إسناده صحيح ولم يخرجوه من هذا الوجه ولكن له شاهد في صحيح مسلم عن أبي هريرة عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية ، أو علم ينتفع به ، أو ولد صالح يدعو له» (٥).
وقوله تعالى : (كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ) لما أخبر عن مقام الفضل وهو رفع درجة الذرية إلى منزلة الآباء من غير عمل يقتضي ذلك ، أخبر عن مقام العدل وهو أنه لا يؤاخذ أحدا بذنب أحد فقال تعالى : (كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ) أي مرتهن بعمله لا يحمل عليه ذنب
__________________
(١) انظر تفسير الطبري ١١ / ٤٨٨.
(٢) أخرجه أحمد في المسند ١ / ١٣٥.
(٣) المسند ٢ / ٥٠٩.
(٤) أخرجه ابن ماجة في الأدب باب ١.
(٥) أخرجه مسلم في الوصية حديث ١٤ ، وأبو داود في الوصايا باب ١٤ ، والترمذي في الأحكام باب ٣٦ ، والنسائي في الوصايا باب ٨ ، وأحمد في المسند ٢ / ٣١٦ ، ٣٥٠.