من عواصف الاختلاف وأمواج الفتن المتلاطمة؟!
أكان كذلك يوم المباهلة حين جعل عليّا كنفسه ، وجعل الحسن والحسين أبناءه ، وفاطمة نساءه؟!
أكان كذلك حين رفع يد عليّ بمرأى ومسمع من الألوف الغفيرة القافلة من مكّة ، فجعله أولى بهم من أنفسهم ، وقال : من كنت مولاه فعليّ مولاه ، اللهمّ وال من والاه وعاد من عاداه! أكان كذلك حين كان يقف عند باب فاطمة وعليّ عليهماالسلام تسعة أشهر فيناديهم أن يقوموا للصلاة ، ويقرأ آية التطهير النازلة في حقّهم؟!
أكان كذلك حين آخى بين المهاجرين والأنصار ، فاستبقى عليّا لنفسه ، وآخاه دونهم؟! ونسأل : أبرهن هذا القائل «حسبنا كتاب الله» ومن سبقه وتلاه في الخلافة أنّهم عالمون بما في كتاب الله ، مستغنون عن العترة؟ أم أنّ هذا القائل لمّا رأى رسول الله مسجّى وقد فارق الحياة ، قال : من قال أنّ محمدا مات قتلته بسيفي هذا ؛ وإنّما رفع إلى السماء كما رفع عيسى بن مريم.
ثم يحضر أبو بكر فيتلو عليه (وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ) فيصرّح بأنّه كأنّه لم يسمع هذه الآية من قبل!! (١)
أعكف هذا القائل على كتاب الله يتلوه ليله ونهاره ، أم ألهاه عنه وعن سنّة النبيّ وحديثه الصفق في الأسواق كما يقول (٢)
لقد أجهد هذا القائل نفسه حتّى حفظ سورة البقرة في اثنتي عشرة سنة ، فلمّا ختمها نحر جزورا (٣).
وكان كثيرا ما يبتلى زمن خلافته بمسائل يحكم فيها بعلمه ، ثم يسأل أمير المؤمنين عليهالسلام عنها ، فيدلّه على طريق الصواب ، حتّى قال المرّة تلو المرّة «لو لا عليّ لهلك عمر».
__________________
(١) الملل والنحل ١ : ١٥ ، وسيرة ابن هشام ٤ : ٦٥٥ ـ ٦٥٦.
(٢) تفسير القرطبي ١٤ : ١٢٦.
(٣) الدر المنثور للسيوطي ١ : ٢١.