والفتح كان في شهر رمضان ، لثمان سنين من قدوم النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم المدينة ، ومعاوية حينئذ (١) مقيم على الشرك ، (٢) هارب من النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم لأنّه قد هدر دمه ؛ فهرب إلى مكّة ، فلمّا لم يجد له مأوى صار إلى النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم مضطرا فأظهر الإسلام وكان إسلامه قبل موت النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم بخمسة أشهر ، وطرح نفسه على العبّاس ، فسأل فيه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فعفا عنه ، ثم شفع إليه (٣) أن يشرّفه ويضيفه إلى جملة الكتّاب ، فأجابه وجعله واحدا من أربعة عشر.
فكم كان يخصّه من الكتابة في هذه المدّة ـ لو سلّمنا أنّه كان كاتب (٤) الوحي ـ حتّى استحقّ أن يوصف بذلك دون غيره؟ مع أنّ الزمخشري من مشايخ الحنفيّة ذكر في ربيع الأبرار أنّه ادّعى بنوّته أربعة نفر (٥). على أنّ من جملة كتبة الوحي ابن أبي سرح ، وارتدّ مشركا ، وفيه نزل (وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللهِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ) (٦).
وقد روى عبد الله بن عمر ، قال : أتيت النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم فسمعته يقول : يطلع عليكم رجل يموت على غير سنّتي! فطلع معاوية. (٧)
__________________
(١) في «ش ١» : يومئذ.
(٢) في «ش ١» و«ش ٢» : على شركه.
(٣) ليس في «ش ٢».
(٤) سقط من «ش ٢».
(٥) ربيع الابرار ٤ : ٤٤٧ قال : وكان معاوية يعزى إلى أربعة : إلى مسافر بن أبي عمرو ، وإلى عمارة بن الوليد ، وإلى العبّاس بن عبد المطّلب ، وإلى الصباح مغنّ أسود كان لعمارة.
قالوا : كان أبو سفيان دميما قصيرا ، وكان الصباح عسيفا لأبي سفيان شابّا وسيما ، فدعته هند إلى نفسها ، وقالوا : إنّ عتبة بن أبي سفيان من الصباح أيضا ، وأنّها كرهت أن تضعه في منزلها ، فخرجت به إلى (أجياد) فوضعته هناك ، وفي ذلك يقول حسّان :
لمن الصبيّ بجانب البطحاء |
|
في التّرب ملقى غير ذي مهد |
نجلت به بيضاء آنسة |
|
من عبد شمس صلتة الخدّ |
وذكره سبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص : ٢٠٢ عن الأصمعي وهشام بن محمّد الكلبي في كتابه المسمّى بالمثالب.
(٦) النحل : ١٠٦.
(٧) انظر الحديث وإسناده في الغدير ١٠ : ١٤١ ـ ١٤٢.