حركتها إذن إلّا عقلية ، فلها مراد عقلي ، وإدراك كلي ، فمحرّكها إذن ليست طبيعة محضة، ولا نفسا جرمية ، فهو إمّا نفس ناطقة ، أو عقل محض ، لا جائز أن تكون عقلا محضا ؛ إذ العقل لا يقبل التغيّر ، والإرادة الكلية لا توجب حركة جزئية من موضع إلى آخر ، ومن الثاني إلى ثالث ، بل لا بدّ فيها من تجدد إرادات جزئية.
فإرادتك للحج ـ مثلا ـ لا توجب حركة رجلك بالتخطّي من باب منزلك إلى جهة معيّنة ما لم تجدّد ذلك إرادة جزئية لتلك الخطوة ، ثمّ إذا تخطّيت يحدث لك بتلك الخطوة تصوّر لما بعدها ، وتنبعث منه إرادة جزئية للخطوة الثانية ، وإنما تنبعث من الإرادة الكلية المنبعثة من التصور الكلي الّتي تقتضي دوام الحركة إلى الوصول إلى الكعبة ، فيكون الحادث حركة وتصوّرا وإرادة ، والحركة حدثت بالإرادة الجزئية ، والإرادة الجزئية حدثت بالتصور الجزئي مع الإرادة الكلية ، والتصور الجزئي حدث بالحركة.
وهكذا الحال في تجدد بعضها من بعض على وجه الدور الغير المستحيل.
مثاله : كمن مشى بسراج في ظلمة ، لا يظهر له بالسراج إلّا مقدار خطوة بين يديه ، فيتصوّره بضوء السراج ، فينبعث منه مع الإرادة الكلية إرادة الكلية إرادة جزئية لسلوكه ، فيسلكه ، وإذا سلكه وقع ضوء السراج على مقدار آخر ، وحصل منه تصور آخر ، وإرادة أخرى ، جزئيين لسلوكه مع التصور والإرادة الكليين للحركة ، فيقع سلوك آخر موجب لحصول الضوء على مقدار آخر.
وهكذا الكلام في أجزاء الخطوة الواحدة والتصورات والإرادات والحركات المتعلّقة بها بعينه هذا الكلام.
وكذا في أجزاء أجزائها حسب قبول المقدار الانقسام بلا نهاية.
فهكذا يمكن أن تكون حركة السماء وكلّ ما هو متغيّر الإرادة والتصور