فصل
ومن لطف الله سبحانه أن خلق هذه الحيوانات كلّها ، من عفونات الأرض ، ليصفو الهواء من تلك العفونات الّتي لو خالطت الهواء الّذي أودع الله فيه حياة الإنسان ، وعافيته ، لكان سقيما ، مريضا ، معلولا ، فصفّى له الجوّ بتكوين هذه المعفّنات حيوانا ؛ لطفا منه ، لتقل الأسقام والعلل ، وله الحمد.
فصل
ومن عناية الله سبحانه أن جعل في جبلّة الحيوانات الآلام والأوجاع ، والجوع والعطش ، حثّا لنفوسها على حفظ أجسادها من الآفات العارضة لها ؛ إذ كانت الأجساد لا تقدر على جرّ منفعة ، ودفع مضرّة ، فلو لا ذلك لتهاونت النفوس بالأجساد ، وأسلمتها إلى المهالك ، قبل فناء أعمارها ، وتقارب آجالها ، ولما علم أنه لا يدوم بقاؤها أبد الآبدين جعل لكلّ منها عمرا طبيعيا أكثر ما يمكن ، ثمّ يجيئه الموت الطبيعي ، شاء أم أبى ، وقد علم الله أنه يموت كلّ يوم منها في البر والبحر والسهل والجبل ، عدد لا يحصيه إلّا هو ، فجعل بواجب حكمته جثث جيف موتاها غذاء لأحيائها ، ومادّة لبقائها ؛ لئلّا يضيع شيء ممّا خلق بلا نفع ، وفائدة ، فكان في هذا منفعة للأحياء ، ولم يكن فيه ضرر على الموتى ، وهذا أحد وجوه الحكمة في أكل بعض الحيوانات بعضا.
ومن جملة تلك الوجوه أنه لو لم تكن الأحياء تأكل جثث الموتى لبقيت تلك الجثث ، واجتمع منها على ممرّ الأيام والدهور ، حتّى كان يمتلىء بها وجه