الأوضاع بأولى من بعض ، حتّى تلازم ذلك ، وتترك البقية ، فإذا لم يمكن جميع الأوضاع بالفعل دفعة ، ويمكن جمعه بالنوع على سبيل التعاقب قصد أن يكون كلّ وضع له بالفعل في آن ، وأن يستديم جميعها بطريق التعاقب ليكون نوع الأوضاع دائما له بالفعل ، كما أن الإنسان الحسّي لما لم يكن بقاء شخصه بالفعل ، دبّر لبقاء نوعه بطريق التعاقب الأشخاص الجسمانية ، فلها من الأشكال أفضلها وأقدمها بالطبع ، وأتمها بالذات ، وأحوطها لما يحويه ، كما أشير إليه بقوله سبحانه : (وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ) (١).
وأحكمها في القوام ، وأصونها عن الآفات ، كما أشير إليه بقوله عزوجل : (هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ) (٢) ، وبقوله جل وعزّ : (وَما لَها مِنْ فُرُوجٍ) (٣).
ولها من الهيئات أفضلها ، وهي الإضاءة والشفيف ، ومن الكيفيات المتضادّة الخلو عنها جميعا عند الجمهور ، والجمع بينها من حيث لا تضادّ فيها عند المحقّقين ؛ لأنّ كلّ جوهر شريف يشتمل على ما يوجد في الجوهر الدني بوجه أعلى وأشرف ، وكلّ ما هو أبسط فهو أحوط للوجود ، فالجرم الّذي تمتنع عليه الكثرة الانفكاكية لا بدّ وأن يوجد فيه جميع الكمالات الموجودة في الأجسام الأخر على وجه يليق به ، وهو الإمكان الأشرف.
وحكي عن بعض الحكماء المتقدّمين (٤) أنه عرج بنفسه إلى العالم
__________________
(١) ـ سورة الذاريات ، الآية ٤٧.
(٢) ـ سورة الملك ، الآية ٣.
(٣) ـ سورة ق ، الآية ٦.
(٤) ـ المراد به «فيثاغورس» ، أنظر : الأسفار الأربعة : ٨ : ١٧٦.
ولد فيثاغورس في ساموس ، حوالي سنة «٥٨٠ أو ٥٧٢ ق. م» ، وينسب التاريخ إليه أنّه صرف ثلاثين عاما من الأسفار. وقال هرقليطس : إنّه كان أكثر الباحثين مثابرة ـ