العلوي ، فسمع بصفاء جوهر نفسه ، وذكاء قلبه ، نغمات الأفلاك ، وأصوات حركات الكواكب ، ثمّ رجع إلى البدن ، ورتّب عليه الألحان والنغمات ، وكمّل علم الموسيقى.
ومنهم من قال : إن الأجرام الفلكية لما أبدعت على أتمّ ما ينبغي ، من الوثاقة والصلابة والملاسة والحركة الدائمة ، فيحتكّ بعضها ببعض ، فتظهر منها نغمات لا يمكن أن يكون أنسب منها ، ولا أوفق يناسب عشقها وشوقها.
وممّا يؤيد كون الأفلاك مشتملة على النغمات ، بل الروائح والطعوم ، وجميع ما تدركه الحواس ، كون هذه الكيفيات من حيث كونها مدركة لنا ليست هي الّتي تكون في الخارج ، من قوانا ؛ لما ثبت أن المحسوس ـ بما هو محسوس ـ وجوده في نفسه ليس إلّا وجود للجوهر الحاسّ ، ومعلوم أنّ وجودها للخيال مناط علمنا بها وانكشافها لدينا ، وقد ثبت أن الخيال وجميع ما يحصل فيه خارج عن هذا العالم.
فإذن كما توجد تلك الأشياء في قوّة من قوانا تارة من جهة أمور خارجية ، وتارة من أسباب باطنية ، كما في المنام ، فكذلك يجوز ذلك في
__________________
ـ وعمقا ، ويذكر أنّه زار بلاد العرب ، وسوريا ، وفينقية ، وكلديا ، والهند ، وغاله. وله حكمة عالية جديرة بالإعجاب ، هي قوله : إذا كنت مسافرا في خارج بلادك فلا تلتفت وراءك إلى حدودها.
ويقال : إنه قد زار مصر ، ودرس الحكمة على أيدي الكهنة ، وتعلّم الكثير من علم الفلك ، والهندسة النظرية ، وربما تعلّم أيضا قليلا السخف والأساطير.
قضى بقيّة أيّامه الأخيرة متواريا عن الأنظار في مدينة ميتابونتوم ؛ وذلك عندما شعر بالخطر نتيجة قيام الحركة المعارضة له ولنظامه ، بزعامة فيلون ، أحد أشراف كروتونا وأثريائها.
(أنظر كتاب : في سبيل موسوعة فلسفية ، للدكتور مصطفى غالب ، تسلسل ١٩).