بقدرة الله تعالى ، كالمعدن والنبات والحيوان ؛ وذلك لمّا لم يتم إلّا بكيفيات فعلية وانفعالية ، لا بدّ لها من حرارة مبدّدة محلّلة ، وبرودة جمّاعة مسكنة ، ورطوبة قابلة للتخليق والتشكيل ، ويبوسة حافظة لما أفيدت من التقويم والتعديل ، فخلق الله سبحانه بلطفه وجوده عناصر أربعة ، متضادّة الأوصاف والكيفيات ، ساكنة بطبعها في أماكن متخالفة ، بعضها فوق بعض ، بحسب ما يليق بطبائعها ، مرتبة ترتيبا بديعا ، منضدة نضدا عجيبا ، حيث جعل كلّ متشاركين في كيفية واحدة ، فعلية أو انفعالية ، متجاورين.
فجعل النار لكونها أخف من الكلّ مجاورة للسماء ؛ لما بينهما من مناسبة اللطافة والضياء ، وجعل الأرض لكونها عكر الكلّ ، وثفلها ، وأثقلها ، في غاية السفل ، وأبعد المواضع من حركة الفلك ، لتكون مسكن المركّبات الحيوانية ، وجعل الماء مجاورا للأرض ؛ لكونه أشد مناسبة لها من جهة البرودة والكثافة ، وجعل الهواء مجاورا للنار ؛ لكونه أشدّ مشابهة إياها ، من جهة الشفيف والحرارة ، والخفة.
ووضعت الأرض في الوسط لئلّا تحترق بتسخين حركة الفلك ، ولم يجعل مجاور الفلك غير النار ؛ لئلّا يتسخّن بحركته فينفسد بين النارين.
فانظر إلى الحكمة ، ثمّ إلى الرحمة ، تبهرك ما لا تقدر قدره ، فسبحانه سبحانه ما أظهر برهانه.